Home Page

خلفية ألإبادة فى دارفور

بقلم: محمود أ. يوسف

E-mail: yousif@darfurna.com

 

ألمقدمة

 

اننا  نعيش فى  مرحلة تاريخية مليئة بالأحداث الخطيرة، والتى ستؤثر فى مستقبل الجنس البشرى على هذا الكوكب، منها ماهو متصل بالتعايش السلمى كالخلافات الدينية وتصاعد حدة الاصولية الدينية السياسية ، وهنالك مشاكل الطاقة، بداً من إمكانية تحكم المنتجين الى قصر فترة نضوبها الكلى ومدى إستعداد العالم على إيجاد الطاقة البديلة والمتجددة، وهنالك مشاكل التغييرات البيئية، والتى بدأت المجموعات الانسانية الأكثر وعيا فى ادراك مخاطرها المستقبلية على إستمرارية الحياة على هذا الكوكب، والعمل المشترك لتفادي مضاعفاتها.

مع كل هذه التحديات الجسام والتى تحتاج الى تضامن شعوب العالم للعمل معا لتأمين إستمرارية الحياة وتوفير الوسائل المساعدة لجلب الرفاهية لكافة الشعوب، نجد ان هنالك الذين لم يبلغوا ادنى درجات الوعى لادراك هذه المخاطر، وللاسف ساعدهم الإستحواذ الغير القانونى على المقدرات العامة على تحقيق مآرب ليست من القيم الدينية ناهيك عن الإنسانية السائدة. إن الدولة السودانية اليوم فى مهب الريح نتيجة لإستئثار البعض بالسلطة والسيادة والموارد وإنعكاس ذلك سلبا على الشعب السودانى، وللدفاع عن هذا المقام الزائف والمنهوب، اثبت البعض امكانية قيامها بكل المحرمات الدينية والبشرية، متجردا من ادنى القيم الانسانية، فى هذا العالم الذى تقدم فيه العلم والتكنولوجيا، حيث إستطاع الامريكان عام 1980 قراءة العنوان الرئيسى لجريدة البرافدا التى كان يحملها شخص فى إحدى شوارع موسكو فى الاتحاد السوفيتى حينها بإستخدام كاميرا دقيقة محمولة فى قمر صناعى فى مدار على إرتفاع 300 ميل من سطح الارض، كان ذلك قبل 27 سنة، وهى مستخدمة الآن للعامة، مثل محرك جووجل (Earth Google) التى يمكن للمرء الإطلاع فيها على اكثر من 1600 قرية محروقة بدارفور، فما بالك بالأجهزة السرية منها الآن؟ هنالك مثل يقول: يمكنك خداع كل الناس بعض الوقت، ويمكنك خداع بعض الناس كل الأوقات، ولكن لا يمكن خداع كل الناس كل الاوقات!

 

كانت كل المجازر التى ارتكبت عبر التاريخ، قد هدفت إلي محو مجموعات عرقية أو دينية أو أيدولوجية من وسط المجتمع. لقد إرتكب ألنازيين مجزرة ألهولوكوست فى الحرب العالمية ألثانية و هنالك ميادين القتال التى أوجدها الدكتاتور بول بوت فى كمبوديا دون مراقب، بعكس مجزرة رواندا، فلقد كان هنالك شهود من الأمم المتحدة والمراسلين الأجانب، وإستفادت العالم من هذه التجارب فى البوسنا.

فى الشهور الاولى من عام 2004، بداء العالم بالإستماع الي مايجري في دارفور، وأن "ألأفارقة يحاربون من أجل الحصول على نصيب فى السلطة، بينما تحاربهم الحكومة المدعومة من قبل مليشا الجنجويد، فى تلك الاثناء مات الآلاف ونزح كثير آخرون داخلياً ولجأ غيرهم إلى دولة تشاد المجاورة".

وهكذا تساوت وضعية الحكومة ومعها الجنجويد والحركات المعارضة المسلحة الى درجة ان حاول البعض وصف الحركات بانها متساوية مع الجنجويد! فى هذه الدوامة، ضاعت الحقيقة وتبقت فقط حجم المأساة الإنسانية لشعب دارفور، بينما لم يتم التعرف على الجذور الحقيقية لهذ المأساة.

نتجت مشكلة دارفور لعوامل عديدة معقدة منها الدين الاسلامى وطول فترة التعايش والتداخل والتزاوج الذى اوجد الترابط العربى الافريقى، والتسامح العام وظلم المركز تجاه الهامش وبخاصة دارفور ومارافق ذلك من بروز الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وشح الموارد وقضية الهوية والمسألة التشادية وتداعيات كل ذلك وأخرى على دارفور.

تجمعت كل هذه العوامل لتخلق مأساة، يريد ألكل نهاية لها وإن تعددت ألأسباب وراء ذلك، البعض إختار الهروب منها بدلا من الانغماس فى هذه الماساة التراجيدية، بينما فضل آخرون مواجهة الموقف مؤملين تغيير ذلك الواقع المرعب، وهنالك آخرون يريدون نهاية لها ولكن وفقاً للشروط التي أوجدوا بها هذه ألمأسآة.

 

لكن كيف انحدر السودانيين المعروفين بطيبة القلب والتسامح والكرم والشهامة وألتآخي، كيف إنزلقوا بأنفسهم إلى هذا الدرك السحيق من الجنون البربرى؟ وكيف قامت الجنجويد بابادة هذا العدد الهائل من سكان دارفور، وفى القرن الواحد والعشرين، وهل كان السودانيين على علم بذلك، وماذا فعلوا؟ بينما فشل القادة والمثقفين الافارقة حتى فى استقراء الاحداث!

لقد خذل العرب والدول الاسلامية والمؤسساتها والافراد والمجتمع الدولى شعب دارفور والسودان، اذا كان ذلك لندرة المعلومات، فإن الصفحات التالية ستساهم فى ملئ هذا الفراغ، لانها ستوفر الخلفية لما حدث فى دارفور فى الفترة من عام 1980 إلى عام 2006، وبرغبة صادقة فى ايجاد حل عاجل لهذه الماساة وذلك لفائدة كلا من شعب دارفور ألافريقى والعربى والشعب السوداني جمعاء، وإنعكاسها علي الإنسانية.

 

دارفور

تعنى كلمة دارفور ارض الفور، وهى القبيلة الكبيرة بدارفور والتى لها السيادة، وهى مجامع تضم قبائل كثيرة، وتقع فى غرب السودان (انظر الخريطة)، ويحدوها ليبيا فى الشمال الغربى وتشاد فى الغرب وافريقيا الوسطى فى الجنوب الغربى، يمتد حدودها مع تشاد لمسافة 800 كيلومتر، وتغطى مساحة وقدرها 493,180 كيلومتر مربع (19,655 ميل مربع). ومعظمها سهلول بارزة مع وجود جبل مرة فى وسط الاقليم وهى سلسلة نتوءات بركانية وترتفع لمسافة 3,000 متر (10,000 قدم). ومدن الاقليم الرئيسية هى الفاشر ونيالا والجنينة. ويقدر عدد سكان دارفور ب 7.4 مليون شخص، ولكن يعيش اغلبيتهم فى الخرطوم ووسط السودان والمخيمات بدارفور، مع اقتصاد قائم مبدئيا على زراعة الحبوب والفواكه والتبغ والماشية.

في عهد سلطنة الكيرا تطورت التركيبة البشرية والإقتصادية والسياسية (الديموغرافية) بالطريقة التى ظهرت فيها السلطنة في القرن العشرين. الفور والذين يزاولون التجارة يقطنونون فى وسط بقايا السلطنة، ويعيش التنجر شمالهم والذين حكموا المنطقة قبل السلطنة، فى الشمال الغربى اتى نيليى-الصحارى الزراعيون والذين يمتهنون تربية الحيوانية بدرجات متفاوتة، كقبيلة البرتى والزغاوة. أما القبائل التى تتحدث النوبية كالبرقد والميدوب والذين يحترفون الزراعة، فلقد اتوا من الشمال الشرقى. فى الغرب تقع دارالمساليت، ولقد حافظ المساليت بنجاح على استقلاليتهم عن دارفور لانها آخر سلطنة مستقلة معترف بها من قبل سلطة الحكم الثنائى على ضوء اتفاقية قيلانى عام 1919، والتى تنص على احقيتها في المحافظة على استقلاليتها. لقد اتى العرب البدو من اقصى الشمال الغربى متضمنا قبائل التعايشة والرزيقات والهبانية وبنى هلبة. لقد ظل عرب الشمال يمتهنون رعى الابل، بينما تحول الذين اتجهوا جنوبا حيث توجد امطار غزيرة والذين اختلطوا لاحقا مع قبائل الفلاتة التى هاجرت وبدات فى رعى الماشية مكونين البقارة، والذين استوطنوا الجنوب الغربى [1].

 

تم ضم جزء من دارفور الى السودان عام 1916 عندما هُزم سلطنة الفور، بينما ضم سلطنة المساليت الى السودان كامارة تحت الحماية البريطانية باتفاقية عام 1919 سالفة الذكر.

يتضمن دارفور الكبرى الولات الثلاثة، وهى شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمتها نيالا وولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة.

 

     The country of Sudan

 

خريطة  ألسودان باليسار ويظهر فيها اقليم دارفو، واخرى باليمين مكبر لدافور.

 

يتضمن دارفور مجموعتين عرقيتين اساسيتين، وهما:

1-     المجموعات الافريقية وتتكون من قبائل: الفور والمساليت والزغاوة والبرتى والداجو والتنجر والميدوب والبرجد والبيجو والتاما والبرقو والبرنو والبيدات والميما والسنجار والمراؤيت وبعض القبائل الصغيرة، وكلها تشكل مامجموعه 75% من سكان الاقليم.

2-     العناصر العربية والتى دخلت دارفور مع الهجرة العربية وتشمل الرزيقات فى الشمال وهم رعاة ابل، ورزيقات الجنوب والهبانية وبنى هلبة والتعايشة والمحاميد والمهرية والزيادية وبنى حسين والمعالية وبعض المختلطين والذين يشكلون فى مجملهم 25% من سكان دارفور.

 

يوضح الجدول ادناه مدن كل ولاية وسكانها قبل عام 2000.

 

إحصائية دارفور الكبرى

 

 

ولاية جنوب دارفور

 

 

ولاية شمال دارفور

 

 

ولاية غرب دارفور

 

المحلية

عدد السكان

المحلية

عدد السكان

المحلية

عدد السكان

نيالا

874,235

الفاشر

656,933

الجنينة

479,337

اضية

197,661

كتم

772,928

وادى صالح

119,411

الضعين

561,693

ام كدادة

196,693

هبيلة

206,875

برام

336,527

كبكابية

343,164

جبل مرة

392,892

كاس

519,046

مليط

184,368

كولبس

216,778

عد الفرسان

438,892

 

 

زالنجى

265,852

تلس

41,644

 

 

 

 

رهيد البردى

394,474

 

 

 

 

شعيرية

321,418

 

 

 

 

الجملة

4,060,390

الجملة

2,154,086

الجملة

1,681,146

جملة سكان دارفور

7,895,621

 

جدول: 1. عدد سكان مدن  وولايات دارفور قبل عام 2000.

 

مرحلة بناء الوعى 1955/1980

قبل وبعد إستقلال ألسودان عام 1956 كان يتم ممارستها الانشطة السياسية فى دارفور بواسطة الشماليين وقادة القبائل المحلية أو أبناءهم، ومن جانب آخر فإن 35-40% من  الجيش السودانى يتكونون من جنود ذوي اصول من دارفور، ولقد دفعتهم عملهم العسكري داخل وخارج السودان، بعد الحرب العالمية ألثانية واوائل الخمسينات، الى تطوير وعى تجاه اقليمهم خاصة وعامة والسودان. ألي ذلك فلقد أدت انشطة الاحزاب السياسية فى اوساط طلبة المدارس بدارفور منذ نهاية الخمسينات، وتلقى الطلبة الدارفوريين لتعليمهم فى جامعة جوبا بجنوب السودان، والذين قارنوا اوضاعهم فى دارفور باحوال الجنوبيين فى ظل الحكم الاقليمى إلي نمو وعي عام تجاه مختلف القضايا المعاصرة.

وفي الجانب السياسي فلقد تم الوصل الى هذه الدرجة من الوعى من خلال مراحل مؤلمة من الحركات الإقليمية، بدأت بالهيب الاحمر والذى اسس عام 1957، بعد عام من إستقلال السودان، كانت حركة سرية وهدفت لإذكاء وعى شعب دارفور. خلال حكم الفريق ابراهيم عبود (1957-1964)، ظهرت حركة سونى فى عام 63/1964، ولقد قادها جنود من دارفور والذين شاركوا فى محاربة الانانيا بجنوب السودان، والذين عادوا الى دارفور متسلحين ببعض الوعى، لقد تعاملت نظام الحكم فى الخرطوم بكل قساوة لكسر شوكة هذه الحركة، وشملت الإعتقالات بعض الجنود في جنوب السودان.

بعد نجاح ثورة اكتوبر عام 1964، تم تشكيل المجموعات المهمشة لكل من جنوب السودان، والنوبة والفونج والبجة وكردفان ودارفور، باتحاد الريف ويهدف لتوحيد انفسهم للإحلال مكان الاحزاب التقليدية (الامة والاتحادى الديمقراطى). وفى عام  64/1965 تم تكون الاتحاد من ألإتحادات ألتالية: جبهة الجنوب وإتحاد عام جبال النوبة واتحاد شمال وجنوب الأنقسنا وإتحاد البجة وجبهة نهضة كردفان وجبهة نهضة دارفور، بهدف المطالبة بتنمية اقتصادية وألأستقلالية السياسية في وضع الخطط والبرامج.

عند قيام جعفر محمد نميرى بإنقلابه عام 1969، عارضه الحزبين الرئيسيين (الامة والاتحادى الديمقراطى)، وكان كثير من أعضاء الحزبين من غرب السودان، ولقد تم تجنيدهم وتدريبهم بمعسكرات في إثيوبيا ولاحقا بليبيا، وسط تلك الظروف تم تكوين منظمة ابناء غرب السودان فى عام 77/1979 بقيادة النقيب يعقوب إسماعيل (كان الراحل القائد محمد جمعة ناير، عضو بتلك المنظمة، قبل إنضمامه بالحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان)، لقد كانوا قبلهااعضاء في الجبهة الوطنية والتى حاولت القيام بتغيير عسكرى فى الخرطوم عام 1976، أدي فشل تلك المحاولة لنتائج رهيبة للمنتمين لغرب السودان (من ضمنهم ابناء النوبة بالخرطوم).

 

ثورة دارفور 1980

فى عام 1980 قام الرئيس جعفر محمد نميرى بتأسيس خمسة ولايات فى شمال السودان، وقام بتعيين الطيب محمد المرضى (من شمال كردفان) حاكم على دارفور، عورض هذا التعيين فورا بمظاهرات شعبية عارمة فى كل مدن دارفور، مطالبا بتغييره بحاكم من الإقليم، أذعن النميرى وقام بتعيين الاستاذ أحمد إبراهيم دريج (من قبيلة الفور) حاكم للإقليم. في تلك الفترة قام بعض من مثقفى القبائل العربية بدارفور بإتهام أستاذ دريج بالقبلية، ومن جانبه فلقد غادر استاذ دريج السودان عام 1983 عندما شعر بان النميرى لا يتعامل مع حكومته حول بوادر المجاعة التى لاحت حينها بغرب السودان والتي حدثت عامي 83/1984.

بعد ألانتفاضة الشعبية عام 1984 تم اجراء انتخابات عام 1986، حيث شكل حزب ألامة حكومة إئتلافية مع الحزب الاتحادى الديمقراطى، وتم تعيين الدكتور عبدالنبى على أحمد حاكما لدارفور ، ثم تبعه الدكتور تيجانى سيسى.

 

ألمشاكل القبلية التقليدية بدارفور

مثل كل المجتمعات الإنسانية المختلفة، درج أهل دارفور منذ قديم الزمان علي التقيد بالنظم والقوانين المختلفة التي وضعتها مختلف السلطنات والنظارات التي قامت في المنطقة. في المجتمع السائد في دارفور ينقسم افراد القبيلة لممتهن لحرفة الزراعة أو الرعي ولقد ورثت تلك القبائل أساليب محددة لكيفية التعامل مابين مجموعات الرعاة مع المزارعين في مواسم الزرعة والحصاد وفق نظم محددة يتم تلقينها للصغار حتي يشبوا وهم علي دراية بالمقيدات الفردية فى مختلف التعاملات. هكذا عاش الناس وهكذا نعاملوا بقدسية تجاه تلك الموروثات. لكن يحدث أحياناً أن يهمل الراعي ويحدث تلف في المزرعة، في الأجواء الطبيعية يتم تغريم الراعي للأضرار التي تنتج عن ذلك، ويحدث ذلك لأي من الاسباب الخاصة بالطبيعة البشرية، قد يؤدي ذلك للإشتباك بين فردين مما يتصاعد إلي حرب قبلي بين قبيلتين، ويتدخل فيها ألأجاويد (الوسطاء) ويتم مصالحة الطرفين، و دفع الخسارات التي تنتج عن كل ذلك، أو تحدث نتيجة لخرق النظم الخاصة بطرق الرعي (المسارات او المراحيل).        

لهذا فلقد تم وضع المراحيل أو المسارات، وهى عبارة عن شريط لرعاة الابل والماشية بعرض 2-8 كيلومتر داخل ديار القبائل المختلفة، لرحلات الرعاة جنوبا اوغربا فى الصيف، وشمالا او شرقا فى الخريف [3]. وقبل عام 1992 كانت المعارك القبلية تدور في دارفور حول هذه المراحيل والمسارات ومايتبعه من مشاكل بالتعاملات الإنسانية [3]، وفي هذا ألإطار يمكن فهم مشكلة أبياي والتي تقع في مسار المسيرية نحو ألماء والكلاء صيفا. كل تلك المشاكل كان يتم التعامل معها بعيداً عن ألأبعاد السياسية وألإثنيةً.

 

ظهور التجمع العربى

فى عام 1988 قام مثقفي بعض من القبائل العربية بدارفور ، ممثلين عن لجنة التجمع العربى بكتابة خطاب [4] الى السيد رئيس مجلس الوزراء حينها، السيد الصادق المهدي ، يطالبون فيها إعطاء القبائل العربية فى دارفور نصف المقاعد الدستورية فى كلا من الحكومة المركزية والاقليمية، لقد إدعوا فى خطابهم أنهم يمثلون أكبر المجموعات ثقافة وحضارة فى الاقليم. قام أعضاء البرلمان القومى بإدانة الخطاب، وإدانتها كل الاحزاب السياسية والإتحادات والنقابات العمالية.

فى ذلك العام تم تسليم كميات من الاسلحة الى القبائل العربية سرا بواسطة رئيس هيئة الاركان العامة للقوات المسلحة، وتم التحرى في ذلك بواسطة لجنة التحقيق البرلمانية والتى أثبتت ذلك فى عام 7/1988.

فى ذلك العام (1988)، قامت لجنة ألتجمع العربى بإصدار بيان سرى [5] لأعضاءها يدعوهم فيها لمعاكسة حكومة الدكتور تجانى سيسى بدارفور، وذلك بخلق المشاكل فى الاقليم وشل الخدمات وإحداث مشاكل للعناصر ألأفارقة وخلق مشاكل بين القبائل العربية وألأفريقية.

 

المعارك بين القبائل العربية والفور 85- 1990

للتغييرات المناخية وماصاحب ذلك من جفاف وتصحر ولعوامل بعضها إقتصادية وسياسية، قامت قبيلة المهرية العربية بشن الحرب على قبيلة الزغاوة عام 1985، واستمرت المعارك المتقطعة بين الجانبين إلى عام 1989 عندما شنت 27 قبيلة عربية الحرب ضد قبيلة الفور بهدف إجلائهم عن أراضيهم الخصبة حوالى جبل مرة. كان لذلك الحرب جزور عنصرية وسياسية [3]، ولقد إستمرت حتى قيام الانقلاب العسكرى للجبهة الاسلامية القومية بقيادة الرئيس عمر حسن البشير، تحت توجيه الدكتور حسن عبدالله الترابى فى 30 يونيو 1989.

 

أثر داؤد يحى بولاد 89/1990

كان لداؤود يحي بولاد أثر كبير في مجريات الامور في دارفور، فبالقدر الذي أعطى فيه يوسف كوة مكى البعد القومى للحركة الشعبية لتحرير السودان، فقد أزال منها بولاد الكره الدينى. ولد بولاد بالقرب من نيالا حوالى عام 1952 في اسرة من قبيلة الفور ، ولقد إنضم لجماعة الاخوان المسلمين فى مرحلة دراسته الثانوية حوالي عام 69/1970، ولقد تولى رئاسة إتحاد طلاب جامعة الخرطوم القوية دورة 75/1976 عندما كان طالبا بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم، ولقد لعب دور التنسيق بين قيادة الاخوان المسلمين بقيادة د. حسن عبدالله الترابى متضمنا الأستاذ عى عثمان محمد طه وخلاياها المختلفة، ذلك بتخطيط الاحتجاجات والمظاهرات ضد نظام حكم النميرى حتى قيام المصالة الوطنية عام 1978 بين النميرى والترابى، لهذه الاسباب كان جهاز أمن النميرى كثيرا مايقوم بإعتقال بولاد.

 

 

بعد تخرجه فى عام 1978، عاد إلى نيالا ليبداء العمل بفتح ورشة لأعمال النجارة تم تمويلها من البنوك الإسلامية، ولقد ظل نشطا فى بناء جماعة الاخوان المسلمين، والتى تم تغيير إسمها إلى الجبهة ألإسلامية القومية عام 1985[6]. عندما تحالف الترابى مع الصادق المهدى فى "حكومة الإتجاه ألإسلامى" عام 1988، أسكت الترابى كل الاصوات داخل الجبهة الإسلامية القومية والتى كانت تنتقد الدعم الليبى للعرب فى دارفور [7].

وقبل ذلك كان قد إستقال في 17 يناير 1989 كل من النائبين فاروق أحمد آدم (الخريجين) وعبدالجبار آدم عبدالكريم (قارسيلا)، من الجبهة ألإسلامية القومية، لموقفها المعاد لأهل دارفور، كما ذكرا [3]، وان مايجرى ليس نهبا مسلحا وإنما نهب سياسي ومسلح ومنظم وان مايدور هو:

1-     أعادة صياغة دارفور إجتماعيا وثقافيا بالقوة.

2-     تعريب السلطة في دارفور وتشاد لدعم نظام مجاور وحزب حاكم في السودان.

3-     إستخدام ذلك لإسقاط السلطة الحالية في تشاد ودفع الثورة العربية وفتح معسكران لها في السودان.

 

لقد أدى ذلك الإتجاه إلى سخط وإنتقادات البعض، والتى إزدادت عندما بدأ يتضح بأن تحالف القبائل العربية ضد الفور أعلاه، يتم مساندتها من قبل الحكومة المركزية، والتى تشارك فيها الجبهة الاسلامية القومية. عندما إستلمت الجبهة الاسلامية القومية الحكم بالانقلاب العسكرى عام 1989، قابل بولاد الرئيس عمر حسن البشير فى وفد مكون من واحد وعشرون شخصا، ولقد اخبرهم البشير حرفيا أن "ألجنوب يمكنها الانفصال، لكن دارفور فلا" [8]. تلك الأحداث وغيرها هى التى غيرت من مواقف بولاد تجاه زملاءه السابقين عندما وجد نفسه مدافعا لمصلحة قبيلته الفور [6].

لقد تضايق بولاد من العوامل العنصرية المتكررة ضد العنصر الإفريقى والمتواجد فى المجتمع الشمالى متضمنا صفوف الحركة ألإسلامية، لقد كان شديد الإعتقاد في آيات ألقرآن الكريم بأن كل المسلمين متساون أمام الله متى ما أصبحوا جزء من أمة ألإسلام. لكن حياته اليومية فى الحركة ألإسلامية قد أظهرت له بأن الحقيقة غير ذلك وأنه "حتى عندما أذهب إلى المسجد للصلاة، حتى هنالك أمام الله، فمازلت في أعينهم مجرد عبد، ويقومون بإعطائى الدور الذي إرتبط بعرقى" [7].

عندما قرر بولاد الوقوف مع الحق واهله ذهب الى اثيوبيا عن طريق القاهرة فى منتصف 1990، ومنها إلى تشاد لمقابلة الأستاذ دريج ودكتور كرم الدين، كان همهم إيجاد الدعم من رئيس تشاد حينها حسين هبرى، للبدء بعمل مسلح فى دارفور، ولكن شاء ان الحظ لم يحالف الثلاثة بتنسيق إجتماعاتهم [9]، رغم إدعاء البعض أنهم لم يوفقوا فى ذلك [7].

من تشاد غادر إلى إثيوبيا لمقابلة رفاق آخرين، حيث دخل إلى شرق ألإستوائية بجنوب السودان لمقابلة دكتور جون قرنق دى مبيور بأسوكا فى ديسمبر عام 1990، حيث إنضموا إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبى لتحرير السودان.

 

دخول الجيش الشعبى لتحرير السودان إلى دارفور عام 1991

لقد تم إنشاء الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبى لتحرير السودان فى 16 مايو 1983 بجنوب السودان، بالقرب من الحدود ألإثيوبية، بهدف إنشاء السودان الجديد أو دولة ألأحلام. عند نشاتها، قام كلا من الرئيسين معمر القذافى والرئيس منقستو هيلا ماريام بدعمها، بهدف التخلص من نظام النميرى في السودان.

منذ نشئتها، إستقطبت الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان برئاسة دكتور جون قرنق دى مبيور الجنوبيين وكثير من ابناء المناطق المهمشة، وبخاصة من جبال النوبة برئاسة القائد الراحل يوسف كوة مكى والقائد عبدالعزيز آدم الحلو (وينتمى لقبيلة المساليت المشهورة بدارفور، ولكنه تربى بجبال النوبة)، وكانا من مؤسسى حركة كومولو السرية عام 1989 عند دراستهم بجامعة الخرطوم، ولقد تحمس النوبة للإنضمام إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، بدوافع من حركة كومولو.

 

عندما قامت الجبهة الاسلامية القومية بقلب الحكم الديمقراطي فى 30 يونيو 1989، كان هدفها الاساسى وقف مراحل السلام التى كانت قد أخذت دفعات قوية حينها وكان من المفترض التوقيع على إتفاقية السلام النهائى بعد أربعة أيام من قيام الانقلاب، أى يوم 4 يوليو 1989، والهدف ألآخر هو تحطيم  الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، وبالتالى فلقد إزداد الحرب ضراوة فى كل من جنوب السودان وجبال النوبة ومناطق جنوب النيل الازرق، لاحقاً. بين عام 83/1990، إنضم الكثيرين من أبناء دارفور إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان لإقتناعهم بشعارات بناء السودان الجديد، من بينهم بعض من مثقفى القبائل العربية بدارفور.

 

إنشق المهندس داؤود يحى بولاد من الجبهة الاسلامية القومية، نتيجة للسياسات التى مورست ضد قبيلته الفور، والقائم على الفصل العرقى، وقرر الانضمام إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان هنالك إحتمال أنه قد تذكر زملائه القدامى بالجامعة، يوسف كوة مكي وعبدالعزيز آدم الحلو. كان ذلك القرار بمثابة تغيير لموقف قائد إسلامى كبير، وبذات صلة بجوهر الصراع فى الدين الاسلامى، والمتمثل فى العلاقة مابين العرب وغير العرب من المسلمين، وبعلاقة ذلك بالقيادة وبوضع غير العرب فى المجتمع الإسلامى، والتى قادت الكثير من الممالك الإسلامية بإدعاء إنحدارهم من الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، لقد حدث فى مملكة الفور والفونج وتقلى بالسودان كما حدث من قبل مع المماليك فى مصر [10]. 

 

إتصلت الحركة الشعبية لتحرير السودان بالرئيس حسين حبرى، الذى كان متفهما للوضع فى السودان، كما إتصل به بولاد أيضا. قام هبرى بدعم الفور بالاسلحة التى مكنتهم من وقف الهجمات العربية فى يوليو 1989. واصلت هذه الهجمات مرة اخرى فى سبتمبر من ذات العام بعد زيارة العميد التجانى آدم الطاهر عضو قيادة الإنقاذ إلى ليبيا بهدف الإسراع من خطوات الوحدة بين البلدين. وعندما لم يتم ذلك بدأت ليبيا فى فقد ألإهتمام بدارفور، حينها فكر د. جون قرنق بالتعاون مع قبائل البقارة من خلال حسين حبرى، لقد فشلت تلك الخطة بإنهيار حكومة هبرى فى الاول من ديسمبر 1990 بدخول قوات الرئيس إدريس دبى إلى إنجمينا [7] ويقال أنه أخبر بولاد انه لافرق بين قضيته ودكتور جون قرنق.

 

 

رجع بولاد مرة اخرى إلى جنوب السودان حيث قابل د. جون قرنق فى مدينة أنزارا فى 11 أكتوبر 1990، فى ذلك الاجتماع تم التخطيط والتحضير لحملة عسكرية لدارفور. تم القيام بإستعدادات كبيرة وبعجالة لتلك الحملة بجنوب السودان، حيث قام فريق من النجم الساطع بفتح طريق قديم يربط مدينتى طمبرة بغرب الإستوائية ومدينة ديم زبير ببحر الغزال. بعدها تحركت القوة من غرب الاستوائية فى 27 أغسطس 1991، حيث إنضم بولاد والذى عين نائبا لقيادة القوة التى ترئسها القائد عبدالعزيز آدم الحلو، والذى أصبح لاحقا حاكم إقليم جبال النوبة فى يناير 2001 قبل وفاة القائد يوسف كوة مكى فى 30 مارس 2001.

 

عند دخول الجيش الشعبى لتحرير السودان إلى دارفور، والتى تمثل مصدر أللآلة العسكرية المقاتلة للجيش السودانى، لم تقم الملشيات العربية بمواجهتها فى البدء، حتى تخطت المناطق العربية عندما بدأت تتعرض لهجمات متتالية، لقد حارب الجيش الشعبى وهزم الجيش الحكومى والمليشيات العربية (والذين تم إيهامهم بأن ألأجندة الخفية للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان ماهى إلا إعادة المأساة العربية فى كلا من الأندلس وزنزبار، وهى المليشيات التى تحولت لاحقا إلى مايعرف حاليا بالجنجويد) فى 41 معركة، ولكن ونتيجة لعدم وجود دعم إمدادى، وكثرة المعارك التى خاضتها فلقد اوجهدت فإنسحبت من دارفور، وتم أسر المهندس داؤود يحيى بولاد فى ديسمبر 1991 عندما أصر على مقابلة إحد أقربائه من أعضاء الجبهة الإسلامية القومية (رغم إعتراض ألقائد عبدالعزيز آدم ألحلو وآخرين على ذلك)، ولقد قام الرجل بخيانته، وكان أيضا يقابل بعض معارفه من عناصر الجبهة، وبذلك كانوا يبلغون عن اماكن تواجد وتحركات الجيش الشعبى [11].

حينها كان الطبيب العميد الطيب محمد خير (المعروف بطيب سيخة لعنفه) حاكما لإقليم دارفور، وكان معاصرا وتابعا لبولاد. وهو الذى قاد المعارك ضد قوات الجيش الشعبى لتحرير السودان بدارفور، حينها لم تكن للحكومة قوات كافية فى دارفور، لذلك إستخدمت مليشيات المراحلين العربية للقيام بأهدافها، وبذلك تؤكد التحليلات المتعلقة بتحليلاتها العنصرية [7].

ظهر بولاد فى شريط فيديو مسجل فى تلفزيون السودان، سجين ومضروب بشدة ولكنه متماسك ورابض الجأش، وتم إتهامه بالخيانة. ولكن كان ماضيه فى قيادة الجبهة الاسلامية القومية كانت قمة الإحراج للنظام، ولقد مات بعد اسبوع من ذلك، فى ظروف لم يتم توضيحها، حتى قبل أن يتم محاكمته [6].

 بينما قد ذكر آخرون بأنه قد تم تعذيبه حتى ألإستشهاد فى يناير 1992 [7]. كان ترك بولاد لحركة دينية ووطنية (كما بدت حينها)، إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان (والتى كانت توصف بالعنصرية والإقليمية)، يوضح بجلاء ألإحباط والإنقسامات فى ألثقافة السياسة السودانية [6].

لقد أثبتت ألأحداث السابقة والحالية فى دارفور بأن كل ذلك كان يمكن تفاديها إذا لم يكن الشماليين ذووى توجهات عرقية، وكذا لم يتم إدراك دروس الجنوب.

لأحقا فى عام 1992، عندما توسط الرئيس جيمى كارتر بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والنظام الحاكم فى الخرطوم، طلب من دكتور جون قرنق القبول بوقف لإطلاق النار، ولقد إشترط د. جون قرنق إطلاق سراح ماكان يظن بأنه أسير الحرب بالخرطوم داؤود يحى بولاد لقاء ذلك، لاحقا إصطدم الرئيس كارتر فى الخرطوم بأنه قد تم قتل بولاد للخيانة وهو أسير حرب!

لقد إستشهد المهندس داؤود يحيى بولاد، ولكنه قد قام بوضع بعض القييم للإنسانية، حيث أصبح تراث بين أعضاء ألحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، وألأساس نحو ألرؤية لمجتمع أكثر إنسانية فى السودان الجديد، حتى أن رفاقه القدامى قد مجدوه فى الكتاب ألاسود والذى ظهر عام 1999 بعد الانقسام العرقى داخل حزب المؤتمر الوطنى الحاكم بين البشير والترابى، لقد كتب الآتى عن بولاد فى الطبعة ألأولى للكتاب ألاسود إختلال ميزان السلطة والثروة في السودان، الجزء الاول:

"نسأل المولى الرحمة لأخونا الشهيد داؤود يحى بولاد، وليتقبل الله مجهوداته، لقد دفع حياته ثمنا لبعد نظره وإفتداء لوعيه المبكر والتى قادته لإدراك موقفنا الحالى قبل عدة سنوات" [12].

لقد أظهر قضية بولاد بوضوح الدور الذى القى على المثقفين الافارقة فى المجتمعات ذات البعد العربى الإسلامى، والمتلخص فى دعم وتنفيذ الخطط التى تم رسمها من قبل القيادات العربية، حيث اصبح الدين الإسلامى مجرد وسيلة لتوسيع المصالح والنفوذ العربى، ووسيلة لإجبار الغير منتمين للخضوع التام، لذلك حدث التشويش بين كثير من الجنوبيين وأخذوا بالأفكار ألقائلة بأن الإسلام ماهو إلا دين للعرب.

 

إعادة تنشيط ألتجمع العربى فى دارفور 1992

كانت محاولة الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان بإيجاد موطئ قدم لها فى دارفور بقيادة بولاد والحلو قد شابها الفشل، ولقد تركت نتائج سلبية كبيرة ومرعبة على القبائل ألأفريقية، من بينها ألآتى [13]:

1-  فقدت الحركة ألإسلامية الثقة فى شباب دارفور (رغم أنهم كانوا الثقل فيها، والذين ساعدوا فى إنجاح إنقلابها على الديمقراطية)، والذين كانوا أعضاء فى الحركة ألإسلامية، وكما ذكر من قبل فقد إستقال كل من النائبين فاروق أحمد آدم (الخريجين) وعبدالجبار آدم عبدالكريم (قارسيلا)، من الجبهة ألإسلامية القومية ذلك في 17 يناير 1989، لموقفها المعاد لأهل دارفور [5].

2-     أصبحت ألقبائل ألأفريقية غير مؤتمنة على سلامة النظام.

3-     أصبح دارفور بوابة محتملة للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان.

4-     ألقبائل العربية هى ألأمينة والضامنة لحراسة هذه البوابة.

 

كان رد فعل الجبهة الإسلامية القومية عنيفا لمحاولة الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان لتحويل الحرب إلى دارفور، لأن مبرراتها لشن حرب دينى فى الجنوب سيتم دحضها، وبخاصة ان الدين الاسلامى فى دارفور بين القبائل الافريقية والعربية هو فى صلب المعاملات الانسانية ونقطة ضعف يمكن إستغلالها، وأعتبرت عامل فعال للفوز بالحرب ضد الجيش الشعبى، لهذا فإن فتح جبهة بدارفور، وبخاصة مع وجود شخص بقدرات وخلفية بولاد فإن ذلك سيساهم بإيجاد التغييرات الجوهرية فى المجتمع، مما سيؤدى إلى تقلص الساحات الخلفية المساعدة لتثبيت الاحكام المطلقة القائمة على الاجتهادات الفردية، او الأسرية.

وسط تلك الاجواء والتي تزامنت بتداعيات حرب الخليج الاولى وتكوين ألتجمع العربى الاسلامى الشعبى والذى ترأسه زعيم الجبهة الاسلامية القومية الدكتور حسن عبدالله الترابى، وإزدياد في التوجه العروبي، إنفعلت قيادة الجبهة الاسلامية القومية بحدة لمحاولة الشهيد بولاد لخلق تحالف جديد بين دارفور وألحركة الشعبية لتحرير السودان، وهكذا ففى يونيو 1992 توصل الدكتور حسن عبدالله ترابى الى نتيجة مفاده ان:

"الإسلاميين من القبائل الزنجية صاروا يعادون الحركة الاسلامية. وتهدف خطة الجبهة الاسلامية إلى تأييد القبائل العربية بإتباع الخطوات الاتية: التهجير القسرى للفور من جبل مرة وحصرهم فى وادى صالح ونزع سلاحهم كليا؛ وإعادة توطين المهريا والعطيفات والعريقات (قبائل عربية)، وعدم إعادة السلاح للزغاوة وتهجيرهم من كتم إلى ام روابة (ولاية شمال كردفان)، وتسليح القبائل العربية وتمويلها بحيث تكون نواة التجمع العربى الإسلامى" [5].

وهكذا فإن عام 1992 يمثل نقطة تغيير أساسي نحو تنفيذ السياسات العروبية فى دارفور بواسطة الجبهة الاسلامية القومية، ويمكننا القول إنه العام الذي تم فيه اُخرج المارد من القمقمة.

منذ تلك المحاولة، أصبحت سياسة الحكومة مكشوفة وذلك بتشجيع المجموعات القبلية والعرقية مثل ألتجمع العربى للتكوين والتنظيم، حيث قام الطيب محمد خير، حاكم دارفور بتوزيع أكثر من 100,000 قطعة من الاسلحة الاوتوماتيكية للقبائل العربية مكافئة لها لهزيمتها الجيش الشعبى لتحرير السودان [13].

وهكذا تحولت من إنتقادات مؤسسة المجتمع المدنى والحاكمية عام 1988، إلي مباركة ودعم السلطة الرسمية الحاكمة، فقام التجمع العربى بإصدار بيان سرى عام 1992 بإسم قريش الثانى [14] (قبيلة الرسول صلعم)، يوضحون فيها لأعضاءهم الخطط العامة للتجمع العربى، والتى يجب إنجازها قبل عام 2020 تحت إسم قريش الثانى، على ان تشمل الهدف مساحة الاقاليم الستة لغرب السودان، وتضمن البيان الخطط والبرامج والوسائل لتحقيق ذلك [14].

 

الجنجويد من أين أتوا؟

مع بداية عمليات الجيش الشعبى لتحرير السودان، حدث ان كان طلائع من قوة الجيش الشعبى فى منطقة القردود وقام بعض من المواطنين المسلحين بالهجم عليها، مما ادى لتدخل القوة الرئيسية، ونتج عن ذلك وفاة عدد من المواطنين، رغم ان تلك الحادثة قد وقعت خلال حكم الفريق سوار الدهب، إلا ان اللواء فضلل برمة ناصر الذى كان عضو مجلس قيادة الثورة فى حكومة سوار الدهب، والذى عين وزير للدفاع فى حكومة السيد الصادق المهدى، استغل تلك الظروف وقامت الحكومة بتسليح قبائل المسيرية عام 86/1988 بهدف تشكيل حزام امنى حول شمال السودان درئا من الجيش الشعبى. كانت تلك الممارسة ماهى إلا تطوير لما قام به الرئيس جعفر محمد النميرى فى أعالى النيل، حيث استغل الخلافات التى وقعت بين اللواء قوردون كونق قائد أنيانا 2 مع الجيش الشعبى وقام بإمداده بالأسلحة والزخائر لمواصلة قتال الجيش الشعبى عام 83/1984.

 

مع نجاح تلك الخطة قامت الحكومة المركزية بتطبيقها فى إقليم بحر الغزال، حيث تم تشكيل مايعرف بقوات السلام، وهى عبارة عن مليشيات من القبائل التي يكون زعيمها صديق للحكومة المركزية، قامت الحكومة بتشكيل مثل هذه القوات فى كل من أعالى النيل والإستوائية، ولقد ادوا مهام كبيرة، من خلال مساندة الجيش على تأمين المدن الرئيسية ومواقع آبار النفط.

أما قبائل التماس العربية، فلقد سبقت ان قامت بشراء كميات كبيرة من الاسلحة التى تسربت إلى السودان بعد سقوط نظام الرئيس اليوغندى الاسبق عيدى أمين داده عام 1979 من المناطق الحدودية حوالى كايا. وفي عام 86/1988، قامت الحكومة بتشكيل قوات المراحلين من قبائل التماس العربية، وخاصة بعد تسلمها الاسلحة المشار غليها اعلاه، وأوكل إليها حراسة القطارات من مدينة بابنوسة إلى مدينة واو ببحرالغزال، لانهم يتفوقون بميزة لإرتيادهم الحصين وهى ميزة كبيرة فى تلك الغابات والتى تسهل الحركة. شاركت هذه القوة فى حراسة الأطواف والتنسيق مع الجيش فى العمليات المشتركة ببحرالغزال، ولإستقلالية إدارتها وعدم تقيدها بالكثير من القواعد العامة فلقد إرتكبت الكثير من الإنتهاكات فى تلك المناطق.

وكما اسلف فعندما دخلت قوات الجيش الشعبى إلى دارفور عام 1991، لم تكن هنالك قوات حكومية كافية لمواجهة ذلك الموقف، لذا حشدت كميات كبيرة من قوات المراحيل العربية، وبعد الإنتهاء من مهامها، تم مكافئتها والإغداق عليها، وهنا ظهر التجمع العربى مرة اخرى، وقد تكون عناصرها خلف تحريك وتأجيج قوات المراحيل قبل واثناء المعارك مع الجيش الشعبى.

بعد نهاية المعارك، وفى عام92/1993، بدأت إستخدام كلمة الجنجويد بدلاً من المراحلين، حيث بدأت قوات الجنجويد فى الظور كمجموعة يتم التنسيق بينها للقيام باهداف محددة فى دارفور.

لكن كانت هنالك عادة دارجة بين بعض افراد وجماعات المجتمعات القبلية فى وسط وشمال السودان على ممارسة مايعرف بالهمبتة، وهى شكل من اشكال النهب بالسلاح الابيض، ويتميز الذين يمارسون هذا النوع من السرقات بالشجاعة الفائقة والمغامرة والكرم، ودرجوا على توزيع غنائمهم للأسر الفقيرة والضعفاء من الاسر، لذلك كان الهمباتة يجدون عطف القرويون، ولا يدلون الشرطة عليهم.

لذلك وفى بدايات عمليات الجنجويد، عام 1993، كانوا يمارسون اعمال السلب، ويظن البعض انها جزء من عمليات النهب المسلح او الهمبتة، دون ان يخطر على بال الكثيرين انها على هذه الدرجة من الخطورة.

 وتتكون كلمة الجنجويد من: "جان وجيم (الرشاش الالمانى ج 3) وجواد (حصان)"؛ والمعنى العام هو "جان فوق صهوة حصان وحامل مدفع رشاش"، ويمكن تخيل مايمكن ان يفعله مثل هذا الشيطان، مع أن التفسير العام لحركة وجيش تحرير السودان هو "مجموعة من أنذال المواطنين من قبائل مختلفة يتم الحكومة إستخدامهم"، بينما إدعى آخرون بأن الكلمة يتم إستخدامها للإشارة إلى مليشات تابعة لحراس ألإدارة ألأهلية، وتفسر قبيلة الرزيقات الجنوبية الكلمة على أنها تعنى مجموعة لصوص من قبائل مختلفة ويقومون بسرقة الجمال وألأبقار لمصالح شخصية، بينما فسره دكتور التجاني مصطفى محمد صالح على أنه "يطلق على الجماعات المسلحة من القبائل العربية" [2].

 

تقوية ألتجمع العربى فى دارفور 1992/2002

فى عام 1992 أصدرت إدارة العمليات العسكرية للجنة الاقليمية للتجمع العربى، أمر يوجه فيه أعضاءها لنهب كل أبقار وحمير وجمال قبيلة الفور، وبقتل زعماء الفور وممثليهم ومثقفيهم، وبتوزيع التشاديين العرب والذين قدموا السودان كلاجئين مع إدريس جاموس وحسين حبرى بمناطق الفور، مع إجراءات اخرى [15].

تم تنفيذ هذه التعليمات حتى عام 1994، حيث واجه الفور منفردين ذيول هذه السياسات، وهكذا قتل ألآف منهم، بينما أجبر آخرون على ترك قراهم والاستيطان فى المدن الكبرى مثل زالنجى والفاشر والخرطوم.

كانت السياسة الرسمية ترمى الى إنشاء حزام عربى من خلال إعادة توزيع للسكان فى دارفور، ولقد بدأ ذلك عام 1994 من خلال تقسيم دارفور الكبرى إلى ثلاثة ولايات (شمال وجنوب وغرب دارفور). تم ذلك التقسم بتعيين محمد أحمد الفضل (دقشم) والى على غرب دارفور [7، 13]؛ وينحدر دقشم من ولاية سنار بوسط السودان، وبإستذكار مظاهرات أهل دارفور عام 1980 مع هذا التعيين، حيث لم تخرج المظاهرات الشعبية بالرغم من الشعور العام بعدم الرضا [16]. قام الوالى الجديد بإصدار قرار بإستبدال نظام سلطنة المساليت القبلية المتوارثة للإدارة بنظام أمارات عربية، دون الرجوع للمؤسسات الدستورية او المؤسسات القبلية ذات الصلة. قسم القرار سلطات سلطنة المساليت إلى أمارات، وهى شيئ لم يتعود عليه الناس ولم يسمع به من قبل، وهى نموذج إدارى قصد منها تحويل المنطقة لنمط حكم عربى[13].

دار المساليت بغرب السودان هو موطن لقبيلة المساليت وهى من القبائل ذات مجتمع مسالم، ومشهورين بكرمهم وشجاعتهم. ولقد إنضموا إلى ألسودان فى عام 1919، بينما ظلوا محافظين على نظام حكم موغل فى القدم وقائم على نظام السلطان، وهو الملك على كل من يعيش فى ذلك الجزء. لقد أعطى قرار دقشم نسبة أمارات أكثر للقبائل العربية من قبيلة المساليت أصحاب ألأرض، فلقد أعطى القبائل العربية ثمانية أمارات بينما خمسة للمساليت [7، 13]. تم إصدار القرار ومن ثم قام الرئيس عمر حسن البشير بزيارة الولاية، وفى مهرجان شعبى كبير تم إعلان ألأمراء وقام البشير بتسليم رايات ألإعتراف للأمراء الجدد [13].

كان ذلك تصرفا غريبا من كل النواحى المنطقية، وبخاصة لان العرب يمثلون 20% من سكان غرب دارفور، وهؤلاء الذين تم الاعتراف بهم وإعطاءهم الأعلام، هم فى الحقيقة مجرد بعض من ألاجئين الذين فروا من حروبات تشاد وهكذا أشعل القرار الاضطرابات والمشاكل فى الاقليم [7، 13].

وفى الجزء الشمالى من دارفور، إجبر الزغاوة على ترك منازلهم، و ضم اجزء كبيرة من أراضي شمال دارفور المتاخم للحدود المصرية الليبية والتى تقطن فيها قبيلة الميدوب إلى الاقليم الشمالى.

كما تم ذكره من قبل فإن القبائل الافريقية والعربية فى دارفور قد تم إستخدامها بكثافة من قبل ألآلة العسكرية السودانية ومن أجل فوائد المركز، ورغم أن حكومة الجبهة الإسلامية القومية قد أساءة لحق المواطنين بإستخدام الدين كبعد مؤثر لكسب الحرب. وكالشهيد بولاد، فإن الكثيرين من قادة الجبهة ألإسلامية القومية كانوا من دارفور، وكانوا خلف نجاح الإنقلاب العسكرى للجبهة، ورغم أنهم كانوا ألأكثرية، لكن تم تهميشهم بعد نجاح ألإنقلاب، فحرموا أية إحساس بالنجاح. لذلك فلقد تقطعت تلك العلاقة داخل الجبهة ألإسلامية القومية عام 1999 بعد حل البشير للبرلمان والحكومة واللجنة المركزية لحزب ألمؤتمر الوطنى الحاكم وعزل الولاة المنتخبين، سبب ذلك ضربة قاصمة لفيلسوف الجبهة ألإسلامية القومية الدكتور حسن عبدالله الترابى، لكن الغرابة فى ماحدث اته تم على أساس عرقى بنسبة تزيد على 90%، وفى دولة إدعت تطبيق الإسلام!

بين عام 1997 و 2000م بدء التجمع العربى فى إرسال مناديب إلى تشاد والنيجر وموريتانيا بغرب إفريقيا لدعوة القبائل العربة للهجرة والإستيطان فى دارفور، حيث وصل الكثيرون واصدار لهم  بطاقات هوية وتم تدريبهم وإلحاقهم بالجنجويد، هؤلاء المجموعات خصوصا هى الاكثر دموية، والتى إرتكبت أكثر المجازر بشاعتا، ببساطة لفقدانها إحساس المواطنية ومايصاحبها من نزعة إنسانية.

المقاومة وتأسيس حركة وجيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة

رغم إدراك بعض السياسيين والنشطاء المرموقين عن المحاولات العنصرية من بعض المجموعات العربية لخلق قلاقل فى دارفور، لكنهم لم يتصوروا إمكانية إنغماس الدولة وبعض الاجانب إلى هذه الدرجة من الأنشطة الا إنسانية والمخجلة. بعض القيادات السياسية البارزة فى دارفور حاولت إيجاد حل سياسى، لكنها فشلت؛ البعض تم إذلالها وحتى قتلها [13]. آخرون قرروا حمل السلاح، حيث تم تأسيس التحالف الديمقراطى الفيدرالى فى لندن فى الأول من يناير 1994 بواسطة كل من الاستاذ أحمد إبراهيم دريج والسيد أبوبكر محمد أبوالبشر (سودانى) ودكتور سليمان رحال ودكتور شريف حرير والسيد أحمد رحال. فى نوفمبر 1994 قام سودانى بفتح معسكر عسكرى فى شرق السودان، وفى ديسمبر 1997 إنضم التحالف الفيدرالى الديمقراطى رسميا إلى التجمع الوطنى الديمقراطى، ممثلا ب دكتور شريف حرير [9]، وقد قامت ببعض من العمليات العسكرية فى دارفور عام 2002، ولعبت بعض الأدوار فى تأسيس حركة /جيش تحرير السودان [17].

فى عام 1994 أسست الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان لواء السودان الجديد بشرق السودان، داخل تحالف التجمع الوطنى الديمقراطى، بقيادة القائد باقان أموم والقائد عبدالعزيز آدم الحلو. جذب وجود الحلو مجموعات كبيرة من أبناء دارفور وبمختلف أطيافها وبخاصة الذين كانوا قد إستوطنوا فى شمال وشرق السودان هربا من أهوال دارفور، رغم وجود عناصر أمنية كثيرة، فلقد إنضم المئات للواء السودا الجديد، إنعكاساً لتهيئ وإستعداد الدارفوريين للمقاومة حينها، لقد كانوا فى إنتظار اللحظة المواتية.

 

كان لتداعيات السياسة الحكومية فى دارفور تحول مجموعات من قبائل الفور والزغاوة والمساليت وبعض القبائل الاخرى عن الطرح العام المتمثل فى ضياع الوقت فى مؤتمرات المصالحة، وإنشقوا من حزب المؤتمر الوطنى وبعد الوصول إلى نتيجة مفاده، أن الوسيلة الوحدة للدفاع عن أهلهم وحقوقهم هى بحمل السلاح والتمرد على النظام القائم، وبخاصة مع تردى الاحوال الامنية حوالى جبل مرة، حيث اشتدت الحملات الوحشية للجنجويد. فى منتصف 2002، ذهب مجموعة من الزغاوة إلى جبل مرة للدفاع عن الفور، منهم القائد الشهيد عبدالله أبكر والقائد منى أركو مناوى، حيث بدأوا فى تدريب الفور، فى تلك الاثناء قامت الحكومة بإعتقال مجموعات كبيرة من المواطنين وبخاصة من قبيلة الفور، بكل من زالنجى ونيالا، بين هؤلاء الناشط ألأستاذ عبدالواحد محمد نور. فى أغسطس 2002، تم عقد مؤتمر فى نرتيتى بجبل مرة لحل تلك المشاكل، طلبت الحكومة إنسحاب مجموعة الزغاوة من جبل مرة وفى المقابل طالب الفور إطلاق سراح المعتقلين السياسيين [18].

إنسحبت مجموعة الزغاوة من جبل مرة، ماعدا سبعة تركوا للإشراف على الجرحى، وتم إطلاق سراح المعتقلين متضمنا الأستاذ عبدالواحد محمد نور، ولكن لم تتوقف هجمات الجنجويد ولا إضطهادات الحكومة (تنفيذا للخطط المسبوقة)، لذا عادت مجموعة الزغاوة إلى الجبل مرة أخرى للدفاع عنها، وإنضم إليهم عبدالواحد، وفى مارس 2003 قاموا بتأسيس حركة تحرير دارفور، التي اعيد تسميتها بحركة/جيش تحرير السودان، برئاسة الأستاذ عبدالواحد محمد نور وقيادة القائد الشهيد عبدالله أبكر، فى أوائل عام 2004 تم إختيار القائد منى أركو مناوى أمينا عاما للحركة [9، 18].

من جانب آخر، قام بعض من الأعضاء السابقين فى حزب المؤتمر الوطنى بتأسيس حركة العدالة والمساواة (JAM) فى أبريل 2003، برئاسة دكتور خليل إبراهيم. كلا الحركتين قد أدهشتا العالم بعملياتهم الجريئة، وبخاصة جيش تحرير السودان عندما دخلت مدينة الفاشر يوم 25 أبريل 2003، دون إيذاء ولا نهب للمواطنين.

خلال تلك الفترة اصدرت اللجنة السياسية لمجلس التنسيق للتحالف العربى تقرير سرى فى نوفمبر 2003، يدعون العرب فى الاقليم بمساندة أفكارهم ويناشدون العلماء والمفكرين والإقتصاديين بمصالحة مختلف القبائل العربية، وبحل خلافاتهم فى إطار الدين والشريعة وبتغيير إسم دارفور [19].

مع بداية تسارع الاحداث، وبدأت حركة / جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة فى تكثيف عملياتها ضد الحكومة، سبب ذلك كثير من القلق للتحالف العربى، حيث تم إصدار بيان آخر فى بداية 2004 من قبل اللجنة السياسية والإعلامية للتحالف العربى [20]، يشرحون لأعضاءها عن تكوين حركة/جيش تحرير السودان، والعمل على منع السودان من الخروج عن دولة الإسلام.

رفض الكثير من قادة وجماهير دارفور العربية هذه الدعوات، وبخاصة الرزيقات الجنوبية، الذين رفضوا كل الضغوط التى تعرضوا لها بالسماح لمواطنيهم بالإنضمام إلى ألجنجويد، لقد اصروا على المحافظة على العلاقات ألإنسانية التى تم تطويرها خلال قرون، لذلك نجد منطقة جنوب دارفور (عاصمتها الضعين) أكثر منطقة ذات تعدد عرقى وآمنة فى دارفور، ويرجغ الفضل للناظر سعيد محمود موسى مادبو ومجهوداته الكبيرة لخلق علاقات اخوة إسلامية حقيقية بدارفور، بينما الذين إنضموا إلى ألجنجويد فى المنطقة، فعلوا ذلك على أسس فردية.

فى تلك الفترة قام الجنجويد بتكثيف حملاتهم، من قتل للمواطنين وحرق للقرى وإغتصاب للنساء، بأسلوب يهدف إلي التخلص من أكبر مجموعة من السكان وفى أقصر فترة ممكنة. وهكذا بدأ المجتمع الدولى فى إدراك حقيقة الأحداث بدارفور، وبدء ممارسة الضغوط على الحكومة دون فائدة ترجى، وظل مأساة أهل دارفور فى تصاعد مستمر، وحتى أوائل عام 2005 كان التقدير المبدئى لمن قتل فى دارفور تزيد عن 300,000، ولكن العدد الحقيقى سيتم معرفتها عندما تنتهى هذه المجزرة، وحاليا هنالك تقدير مبدئى بعدد النازحين والقرى التى أحرقت، وموضح فى الجدول أدناه [21].

 

المدارس

ألمساجد

الاسر النازحة

ألنازحين

ألقرى المحروقة

ألإقليم

107

044

237,878

1,427,226

1,921

غرب دارفور

214

061

15,745

0,944,718

1,207

شمال دارفور

154

037

120,759

0,724,556

0,688

جنوب دارفور

475

142

516,000

3,096,500

3,816

ألجملة

جدول 2. تقدير عدد القرى المحروقة والاسر المتضررة والافراد الذين نزحوا

 والامكنة  العامة التى احرقت فى ولايات دارفور الثلاثة، حتى عام 2005 [21].

 

من جانب آخر، كان من اسباب النزوح عن دارفور فى عام 1989، تمثل الجفاف والتصحر نسبة 30%  بينما الجوانب الامنية كانت تمثل 2%  فقط [5]، إن مقارنة ذلك مع الوضع الحالي، حيث هنالك اكثر من ثلاثة (3) مليون نازح داخليا، وأكثر من 300 الف لاجي في دولة تشاد المجاورة، هذه المقارنة وحدها تكفى لإعطاء الدافع الحقيقى للأسباب الحالية للنزوح ، وهى تجسيد لمدى هول التجارب التى ادت لذلك.

 

 

ألجيش الشعبى المحاولة الثانية

فى عام 1998 قابل الرااحل القائد يوسف كوة مكى بعض القادة من غرب السودان، بينهم الناشط حاج إسماعيل التوج (توفى الى رحمة مولاه فى مارس 2004)، وتقابلا مرة اخرى فى يناير 2001 (الصورة اعلاه) وكان معه الراحل عبدالعزيز البشرى (توفى فى ديسمبر 2004) والقائد احمد كبر جبريل (حاليا قائد القطاع الجنوبى فى حركة تحرير السودان). قام القائد يوسف كوة بعمل توصية وتحضيرات على ان يتقابلوا مع الدكتوى جون قرنق، وللأسف فلقد فارق يوسف الحياة فى مارس 2001، دون ان يرى توصياته النور.

كانت هذه المجموعة قد قامت بتأسيس "حركة غرب السودان للعدالة والمساواة والديمقراطية"، وفى بيانهم الاول ذكروا خطط الحكومة لإشعال حروبات قبلية فى دارفور. ولقد قاموا بخلق علاقة مع دكتور شريف حرير، الذى اخبرنى بأنهم قد إنضموا للتحالف الفيدرالى الديمقراطى، وهم بدورهم لم ينكروا ذلك، لكنهم كانوا على قناعة باهمية العمل العسكرى فى دارفور، بدلا من شرق السودان.

عندما وصول القائد عبدالعزيز آدم الحلو إلى كمبالا فى اوائل يناير 2001، من شرق السودان عبر اسمرا، كان لتسلم منصبه الجديد كحاكم لجبال النوبة من القائد يوسف كوة، وصل بالشهرة التى سبقته والناتجة عن العملية الناجحة التى قام بها فى كسلا، عندما إنسحبوا تاكتيكياً من مدينة همشكوريب ليلتفوا ويستلموا مدينة كسلا فى ديسمبر 2000، وكان إنتصارا كبيرا للواء السودان الجديد، والتى هى جزء من الجيش الشعبى لتحرير السودان، ولقد ادى كل ذلك لرفع صورته عند الناس.

طلب حاج إسماعيل الإجتماع بالقائد عبدالعزيز آدم الحلو، حضر ومعه عبدالعزيز البشرى وأحمد كبر، وحضر الإجتماع عبدالباقى مختار وشخصى. كان الهدف الأساسى للإجتماع خلق علاقة بينهم والحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، وإيجاد الدعم العسكرى لفتح جبهة فى غرب السودان. فى الإجتماع طلب القائد عبدالعزيز الحلو منهم الإنضمام للحركة الشعبية والجيش الشعبى. كان حاج إسماعيل يتحدث من بخلفية صورة الجيش الشعبى فى غرب السودان، وبخاصة عن جانب الموقف الدينى للمسلمين هنالك متصلاً بتصرفات الجيش الشعبى فى دارفور عام 1991.

مستكشفاً إمكانية إرجاع الديمقراطية مرة اخرى للسودان من خلال تحالف اكبر، قائم على شن حرب عصابات بالإعتماد على القواعد الشعبية، قررت إعطاء وزن لجدلية حاج إسماعيل، مقدرا ان ذلك قد تدعم تحالف عريض فى الجبهة الغربية مثل التجمع الوطنى الديمقراطى فى الشرق، رفض الحلو الفكرة رفضا مطلقا ويعززه عبدالباقى فى ذلك. كان ذلك القرار نابعاً من خلفية وهم الفارق الأيدولوجى، والتى تنبهت لها فيما بعد عندما جلسا معا لعدة مرات، واخبرته فى إحداها وبحزن، أننى سأقوم بالتركيز على مجهودات البحث العلمى الذى اقوم به فى المرحلة المقبلة.

فى ذلك الشهر، إستدعى الحلو الرائد آدم بازوكا والذى سبق وأن إلتحق بلواء السودان الجديد فى حوالى عام 1996، حيث كانوا قد نقلوا إلى جنوب السودان عام 1998 مع آخرين، فيهم الكثيرين من دارفور، والذين إستقروا بغرب الإستوائية (ياى ومريدى). 

حينها غادرت كمبالا لأفاجئ بعد عام بأن آدم بازوكا يقوم بالتحضير للبدء فى عمليات عسكرية فى دارفور، ولأن عبدالعزيز كان فى جبال النوبة فلقد عهد الى البعض القيام بالتحضيرات، مع موارد مالية جيدة، ولكن وللأسف الشديد فإن الذين تم إحضارهم كانت جنسيتهم تشادية.

كان لبزوغ حركة وجيش تحرير السودان فى أوائل عام 2003 كحركة دارفورية، عاكساً المجهودات الداخلية للدارفوريين للمشاركة فى حل مشكلة الاقليم والسودان وفقا لمنظورهم، قد ادت إلى عدة تعقيدت للبعض وبخاصة الذين كانوا قد وضعوا مخططات وفقا لتصوراتهم. لذلك حاول دكتور جون قرنق وعبدالعزيز آدم الحلو حث قادتها للإنضمام إلى الحركة والجيش الشعبى لتحرير السودان، وتم إحضار الاستاذ عبالواحد محمد نور والقائد عبدالله ابكر (قائد الجيش) والقائد منى اركو مناوى إلى رومبيك فى مارس 2003، ووافق عبدالواحد على الإندماج، لكن القائد عبدالله ابكر رفض ذلك مطلقاً، وكان ذلك هو موقف القائد منى. رغم انه قد تم خلق تعاون بين الحركتين، لكن الحركة الشعبية لم تكن لتسامح فى وجود حركة أخرى قوية وبذات الزخم فى دارفور. 

فى سبتمبر 2003، عندما كانت التحضيرات لقوة بازوكا على اشدها، شعرت بمدى الضرر الذى سيطل على قضية دارفور عندما تتحرك مثل هذه القوة بقيادة بازوكا، وسيطال الضرر الحركة الشعبية وحركات التحرير فى دارفور. وكعضو فى الحركة، قررت ان اقوم بمسئوليتى، فقمت بكتابة خطاب الى دكتور جون قرنق، وبصورة إلى عبدالعزيز آدم الحلو، واعطيت ذلك لعضو فى مجلس القيادة، شرحت فيه تركيبة القوة والعواقب السلبية التى ستجلبها. بعد اسبوعين اخبرت بان القوة قد تحركت إلى دارفور.

لم يتم حسم موضوع الوحدة عندما تم تسفير آدم بازوكا والقوة إلى دارفور فى اكتوبر 2003، وعلمت فيما بعض من بعض الاخوة الدارفوريين فى الإستوائية بان بازوكا امرهم بالذهاب معه (وكان قد رقى لرتبة قائد) ولكنهم رفضوا واخبرونى إنهم لن يشتركوا فى مثل هذه الجريمة. هذه القوة الجديدة والغريبة، بوضوح قد تكون قد أدت إلى تزايد شكوك منى تجاه كل من عبدالواحد والحركة الشعبية، ولاحقاً بدأ يتحدث مع مجموعته بأن عبدالواحد ليس إلا قائد فى الجيش الشعبى.

منذ وصوله إلى دارفور، حتى وفاته فى أبريل 2004، فشل آدم بازوكا فى خلق ارضية له فى دارفور، ليس ذلك فحسب، فلقد ادى ذلك لخلق اضرار كثيرة للعلاقات الداخلية فى حركة التحرير، وإنعكست ذلك فى شدة الكره الذى خلق بين عبدالواحد ومنى، وادى كل ذلك إلى التمزق الحالى فى حركة تحرير السودان، كذلك فلقد ادى إلى تحجيم قوة الزخم التى بدأت بها حركة وجيش التحرير بالإضافة إلى الشكوك الكثيرة التى بدأت تنتاب حينها التشاديين، والذين توجسوا شراً من حركة التحرير. 

كانت الحكومة هى المستفيدة اكثر من تلك الخطوة، لقد تم إضاعة الكثير من الموارد، ببساطة لعدم إدراك البرامج الموضوعة والبعض الآخر الذى يقوم بتحريف القضايا دون إدراك القادة.

 

كان هنالك الكثير من المجهودات التى بذلت من قبل ابناء دارفور للقيام بعمل عسكرى فى دارفور، وفى هذا الاطار قدم بعض من القيادات العسكرية العربية الى شمال بحر الغزال عام 1997 للإنضمام إلى الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان من أجل فتح جبهة عسكرية فى دارفور، كان يقودهم العميد عبدالقادر حامد المهدى (تم ترفيعه إلى قائد)، والرائد عمر السيد حسب الله، ولكن لعوامل شتى لم يتم ذلك.

 

عندما لم تنجح مساعيه أعلاه، عاد القائد أحمد كبر جبريل، إلى دارفور عندما إنطلقت حركة / جيش تحرير السودان وبدئها للانشطتها العسكرية ، فى منتصف عام 2003، وإنضم معها ليصبح قائدا للقطاع الجنوبى بدارفور، ولقد قاد عمليات عسكرية كبيرة فى كل من النهود وبرام. نجح مع آخرين فى إبراز الدور التهميشى الذى يرزح تحته أهل دارفور، مبعدا التهم التى تلقى على حركة / جيش تحرير السودان بأنها فقط لتحقيق مطالب المنتمين للعنصر الافريقى. لقد شارك فى محادثات أبوجا ألأول، وإلى ألآن لم ينضم إلى مجموعة الموقعين، ومثله والآخرين يعطون الامل فى إمكانية التعايش المستقبلى بين مختلف الاعراق فى دارفور.

 

كيف عرف العالم بالمجازر ماهى حجمها؟

كان معظم المعارك القبلية الاولى التى دارت فى دارفور قبل عام 1983 تدور حول الرعى والمرعى والمياه وسرقة الابقار او الجمال [1، 5]، ولكن بعد الانتفاضة ورفض الحركة الشعبية والجيش لتحرير السودان الدعوة التى وجهتها حكومة الفريق عبدالرحمن سوارالدهب، فقد بداءت المعارك القبلية فى تصاعد وبدأت تختلف عن الخلافات التى تعود عليها المنطقة فى السابق، ولوحظ الإستخدام المكثف للاسلحة الاوتوماتيكية والتى تسبب خسائر اكبر فى الارواح، ودخلت المنطقة المرحلة الاولى بين 1983-1987، استعانت بعض القبائل بليبيا واخرى بتشاد، وزادت كمية الاسلحة ومعها القتل والدمار.

إذا كان التحالف العربى قد ظهر للعلن عام  1988 بعد خطابهم المفتوح للسيد رئيس الوزراء، فلابد ان يكون هنالك عمل سرى كان قائما قبل ذلك، لذلك فليس من المسغرب ان المرحلة الثانية 1987-1993 والتى اتخذت شكل استقطاب عرقى [5] ماهى الا نواتج لمراحل التاجيج السرى والمغرض الذى مارسه التجمع العربى وعناصره، وانتهت هذه المرحلة بإعتراف الدولة والتنسيق مع التجمع العربى نتيجة لفشل الجيش الشعبى لتحرير السودان فى ايجاد موطئ قدم له فى دارفور، لذلك فاننى ارى بانه يمكن تحديد فترة هذه المرحلة بين 1987-1992،.

أما المرحلة الثالثة، فهى التى تم ايجاد المصوغ  التبريرى للتنسيق مابين الدولة وقيادة التجمع العربى وعناصره المتمثل فى مليشيات الجنجويد، إستمرت هذه المرحلة من عام 1993 إلى الآن، وهى المرحلة التى إتسمت بالوحشية المفرطة.

قبل ان تبدأ كلا من حركة وجيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة العمل المسلح فى مارس 2003، كان هنالك نزوح داخلى وهجرات خارجية مكثف، مما إستدعى تدخل منظمات الإغاثة المحلية والعالمية، وكذلك مفوضية الامم المتحدة لشئون الاجئين خاصة فى تشاد، وبدأت هذه المنظمات فى عكس مايحدث فى دارفور للعالم الخارجى وبدأت اجهزة رصد وجمع المعلومات للدول الكبرى بالعمل، وبدأت تتضح بعض المعالم لما يحدث فى دارفور.

 

ثم كان تصريحات موكيش كابيلا المنسق المقيم للامم المتحدة بالخرطوم، وهو اول من قام بكشف مايحدث فى دارفور وحرك الضمير الانسانى، عندما ذكر فى نيروبى يوم 21 مارس 2004، بان "الحرب فى اقليم دارفور الممزقة هى اكبر كارثة إنسانية بالمقارنة مع مذابح رواندا عام 1994، وان الحرب الوحشى فى دارفور قد ادى إلى إنتهاكات يمكن مقارنتها فى الحجم والخواص بما حدث فى رواندا، والفارق هو فى عدد المشتركين، وان نمط الاعتداءات المنظمة على السكان والقرى والاختطافات والإغتيالت والإغتصابات من قبل المليشيات تتحول للاسوء كل يوم وقد تزداد اكثر، وانه يمكن للمرء ان يري كيف يمكن للوضع ان يتطور دون اجراء فورى, لان كل الاشارات موجودة" واضاف "اظن بعض الناس يستخدمون كلمة التطهير العرقى, ولكننى اقول هذا ليس ببعيد مما يحدث،" وذكر "بان المصطلح يتم استخدامها من قبل اناس معينين، لان مجموعة معينة نظمت نفسها للتخلص من مجموعة اخرى من الناس وهذا هو تعريف التطهير العرقى" وقال كابيلا "إن الاستنزاف المنظم لإقليم دارفور يشبه سياسة تنظيف الارض، إنها ليست مشكلة فحسب، إنها محاولة منظمة للتخلص من مجموعة سكانية " [22].

 

لقد كشفت منظمة جلوبال سكيورتى (Global Security) [23] مؤخراً عن صور فى غاية من الدقة والوضوح للقرى التى تم حرقها فى دارفور، وذكرت بان الوكالة الامريكية الدولية للتنمية قد اذنت بنشر هذه الصور يوم 24 يونيو 2004، وهى المرة الاولى التى تستخدم الوكالة فيها الاقمار الصناعية لاغراض الدبلوماسية العامة، وان الوكالة قد بدأت فى شراء هذه الصور (من الجهات الاقطة) منذ نهاية ابريل 2004 (بعد شهر من تصريحات كابيلا)، ولقد صرح السيد أندرو ناتسيوس المدير العام للوكالة حينها، مايمكن منها إستخلاصها من كل صورة، ويتلخص فى الآتى:

1-     فى القرية السليمة والعادية يمكن رؤية الاشجار، والمنازل (القطاطى) مغطاة باشكال مخروطية مصنوعة من القش. وكذا يمكن رؤية الاغنام والابقار والكلاب والناس.

2-     أما القرى المحترقة، ترى الحائطة والتى تعنى ان الاسقف قد تم حرقها او تدميرها، وسوف لن تشاهد اناس او حيوانات او حتى الاشجار، لانها قد تم حرقها وابادتها جميعاً.

 

وعدد الصور التى التقطت تعد بالآلاف، وكمل اسلفنا فإن محرك جووجل (Earth Google) قد وضعت اكثر من 1600 قرية محروقة بدارفور في محركها، حيث يمكن لاي كان الإطلاع عليها، وفيما يلى ثلاثة نماذج لهذه الصور (ويرجع الفضل إلى :(DigitalGlobe, Inc.- Department of State via USAID

 

 

 صورة رقم1: قرية تم تدمير جميع منازلها المكونة من 278 قطية وتقع بالقرب من فاتا بارنو (التى كانت عاصمة سلطنة الفور فى عهد السلطان شاو دورشيد)، (أنقر لرؤية صورة مكبرة والموقع).

 

 

صورة 2: قرية مدمرة بالقرب من شطاية، دمر 285 مسكن من جملة 269 مسكن (أنقر لرؤية الصورة مكبرة والموقع)

 

 

صورة 3: قرية  قرب شطاية، دمر مساكنها وعددها 1300 قطية بالكامل (أنقر لرؤية الصورة مكبرة والموقع).

 

حينها لم يكن الموقف الأمريكى واضحاً رغم إمتلاكها لهذه الصور، لانها واستقرائا لما حدث، يمكن للمرء التساءل ماهو المقابل بتسليم الارهابيين عام 2004؟

ساعدت تصريحات موكيش كابيلا وهذه الصور فى تحريك الضمير الإنسانى فذهبت قوافل من منظمات حقوق الإنسان ومن ثم الصحفيين، ذهب الهيومان رايت ووتش واصدروا تقرير لهم يوم 2ابريل 2004 (إنتهاكات بالجملة فى دارفور) وجستس أفريكا ومجموعة الازمات الدولة ومنظمات اخرى كثيرة، وذهب ال س أن أن - وال بى بى سى - والسى بى اس - و أ ف بى -  و ...  وكثير من القنوات والمصورين الذين نقلوا ماشاهدوها غلى كل العالم، فتحرك الضمير الإنسانى لما يحدث فى دارفور، متذكرا أحداث روندا قبلها بعشرة اعوام حينما قرر العالم بان لايحدث ذلك مرة اخرى والآن يحدث ومع سبق الإصرار، ولاقيمة لهؤلاء الذين قدر لهم ان يكونوا فى دارفور، حيث قامت مليشيات الجانجويد بقتل الرجال، بينما النساء والبنات ان لم يتم قتلهن، يتم اغتصابهن ومن ثم تمريك ايديهن لتحميلهن وصمة العار للابد، لقد جرى ذلك فى دارفور ومن مسلمين على مسلمين! فتحدث يانك برونك الممثل الشخصى للأمين العام للامم المتحدة حتى بح صوته فطرد، وقبلها زار كوفى انان دارفور مرتين وسمع من النسوة الآئى إغتصبن واحاديث ليست للنشر، واتى كولن باول وزيرخارجية امريكا وتونى بلير رئيس وزراء بريطانيا والكثير من القادة حتى الصينين ذهبوا على إستحياء لتخفيف الضغط العالمى عليهم ومشاركتهم الغير مباشرة ببيع الطائرات والدبابات والاسلحة التى سببت ومازالت تسبب هذا العار! وتم تشكيل منظمات وجمعيات عالمية لمناصرة اهل دارفور، وسيرت المواكب وتظاهر الملايين فى انحاء العلم من أجل شعب دارفور وتنديداً لما يحدث فيها من مجازر، ولكن لا حياة لمن تنادى، وكان السنياريو المحلى فى الخرطوم تدعى بأنها مؤامرة غربية، رغم كل البراهين والصور الماثلة للعيان، فقط هل تخيل الذين خططوا لكل ماتم فى دارفور من مذابح، ماتحتويها الكم الهائل من صناديق الوثائق التى نقلت من نيويورك إلى لاهى؟

 

أما الموقف الحكومى الغير معروف داخليا بعد ان بدأت أزمة دارفور بالإنكشاف عالميا فى عام 2004، إقترح عناصر من الحكومة مثل نائب والى غرب دارفور آنذاك مصطفى محمد إشاك تكوين قوة مشتركة من الجنجويد وبعض من القوات الاخرى، وذلك لفوائد كثيرة منها:

1-     صد أية هجمات متوقعة.

2-     سهولة الوصول لأية مجموعات فى حالة حدوث أى شيئ.

تم تنفيذ هذا المخطط تدريجيا، بحيث اصبح الجنجويد جزء من القوات النظامية بمختلف وحداتها، وبخاصة حرس الحدود.

 

إستغاثة مجتمعات دارفور المدنية

قامت المجتمع المدنى بدارفور بمحاولات عدة لايقاف مايدور فى دارفور منها منبر دارفور للتعايش السلمى، وبعضها لتعرية وكشف مايحدث فى دارفور والإحتجاج عليها، حدث ذلك فى الخرطوم، بينما الآخر فى دارفور. ولقد ووجه تلك المحاولات بالإعتقالات فى الخرطوم، بينما فى دارفور يستطيع الجنجويدى القيام بأى عمل كالقتل والإغتصاب امام أفراد الاسرة. فيما يلي ثلاثة امثلة لمحاولات المجتمع المدنى، هدفت لرفع أصواتهم فيما يحدث في دارفور منذ عام 1999 ولوقفها، كان ذلك قبل اربعة أعوام من معرفة العالم الخارجي بها:

* في مارس 1999م قام  1300 شخصية بينهم دستوريون سابقون وطلاب ومهنيون واعيان ورجال ادارة اهلية بينهم  د. علي حسن تاج الدين عضو مجلس رأس الدولة السابق ود.ادم موسى مادبو وهما قياديان في حزب الامة ، وعشرة عمد و 16 شيخا من الادارات الاهلية برفع مذكرة إلى رئيس الجمهورية، الرئيس عمر حسن البشير [16].

إستهلت المذكرة بلآتي:-

استشعارًا منا للمسئولية الوطنية للسودان الوطن الام الجامع وتجاه وطننا الصغير دارفور بمتطلبات واجبات المسؤولية الانسانية والتاريخية امام الأجيال اللاحقة باختلاف أصولنا العرقية وانتماءاتنا القبلية والسياسية وموروثاتنا المحلية المتعددة. رأينا نحن مواطنو دارفور الكبرى بالعاصمة الاتحادية (طلاب ومهنيون وبرلمانيون سابقون واعيان وزعماء ادارات اهلية) الموقعون على هذه المذكرة ان نرفع لسيادتكم ما فيها من مطالب بواجب الدين الحنيف في قوله تعالى :

﴿يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله عليكم رقيبا﴾ "4:1" . صدق الله العظيم

إحتوت المذكرة على كثير من المواضيع منها:

المشكلات القبلية بدار فور - الصراع القبلي بمنطقة الجنينة بولاية غرب دار فور- مسائلة حول جدوى التدابير الاستثنائية - التنمية بدار فور - تصفية مشاريع التنمية وتعطيل الخدمات بسوء تصريف المال العام وإساءة استخدام السلطة - طريق الإنقاذ الغربي - النهب المسلح - التعايش السلمي - المشكلات القبلية.

وختمت المذكرة بجملة من الإقتراحات منها إعتراف الدولة بخصوصية الوضع في دارفور وايجاد صيغ جديدة لادارة الحوار السياسي الوطني.

 

* مذكرة قسم حقوق الإنسان لشعب دارفو، 4 ديسمبر 1999 إلى كل من رئيس لجنة حقوق ألإنسان بالمجلس الوطنى ووزير العدل والنائب العام، مع نسخ إلى ولاة غرب دارفور وجنوب دارفور وشمال دارفور، والمنظمة السودانية لحقوق ألإنسان ومراقب حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة فى ألسودان [24].

 الموقعون علي المذكرة هم:

أربعون وخمسون (54) ناظر وعمدة ممثلين لمختلف القبائل فى دارفور (ألعربية والافريقية).

ستة وخمسون (56) محامى ومستشارون قانونين.

 

بعد مقدمة قوية، قامت المذكرة بذكر ألآتى:

1- فى دارفور تقوم مختلف أجهزة ألأمن بالتصرف من دون رقابة أو محاسبة.

2- يسود التعذيب من خلال إحتجاز المدنيين فى حراسات المخابرات العسكرية، وامكنة إعتقالات تابعة للأمن بعيدا عن آليات القضاء المتخصصة (السلطة القضائية) وإجراءاتها.

3- يتم إنتزاع ألإعترافات بإستخدام أساليب بربرية ووحشية وبواسطة عصابات لا تشبه الشعب السودانى.

4- تم ذكر الكثير من حالات القتل وألإغتصاب والتعذيب المبالغ.

5- الطلب بالتحقيق فى كل ذلك مع تقديم كل من شارك فى هذا العنف والتجاوزات إلى محكمات فورية عادلة.

 

* بيان رقم (1) من واحد وعشرون (21) من زعماء القبائل الافريقية[25]، بعد إجتماعهم فى مدينة نيالا يوم 18 ديسمبر 2003، حول الفتنة العنصرية فى دارفور، وفيها ذكروا ألآتى:

1-     لقد صمتوا طويلا عن نشاط عنصرى هدام فى دارفور.

2-     هذه الفتنة تقودها أدعياء العروبة.

3-     قامت المجموعة بتقسيم الناس عرقيا.

4-  قاموا بإشاعة الموت والدمار للأهالى لتهجيرهم من ديارهم بغير حق وبمظاهر إفساد لم يعهدها السودان حتى فى عهود الباشبزق والهمجيات القديمة.

5-  الجنجويد يرتكبون جرائم ضد الإنسانية بقتل بشع للاطفال والنساء والشيوخ، فهم وصمة عار ستبقى فى وجه كل من سعى فى تأليبهم أوتقديم الدعم لهم.

6-     قرروا العمل معا لدرء هذه الفتنة والتصدى لها بحول الله وقوته.

7-     هذه الفتنة تدبر بتحكيم محكم ناهز العقدين من الزمان ولها إستراتيجيات وأهداف ممرحلة وآليات تنفيذ ومتابعة.

8-     المجموعة لها القدرة على المواءمة وإحتواء أنظمة الحكم وتسخيرها نحو أهدافها الهدامة.

9-     كشف الخطط السرية للتجمع العربى الذى يدعم الجنجويد.

10-إستغلال هذا التنظيم لأجهزة وإمكانيات الدولة والحزب الحاكم.

11-مسئولية التنظيم السرى (التجمع العربى) فى إيجاد الجنجويد وسعيه الدائم فى إستغلال الدولة وآخرها توفيق أوضاع العناصر التى إرتكبت جرائم فظيعة ضد البشرية بل تبرير الاعتداء على المدنيين (أحداث قرية تيقى ديسمبر 2003).

12-لم يقتصر مهمة التنظيم العنصرى على زعزعة إستقرار دارفوربإثارة الفتنة بل تعدى نشاط التنظيم حدود دارفور والسودان إلى دول الجوار.

13-تحية قادة بعض القبائل العربية لرفضهم الاستجابة للدعاوى العنصرية وقاوموها حتى قبل افتضاح الامر وقدموا الدليل الشافى على انه توجد مشكلة حقيقية تمثل هذا التوجه العنصرى الذى يسعى إلى دعاه الفتنة والشقاق.

14-الدعوة إلى وقف فورى ودائم فى ربوع دارفور لإطلاق النار.

15-إرفاق سبعة من المنشورات السرية للتجمع العربى مع البيان.

 

 

أصوات من شمال السودان

منذ بداية المعارك القبلية في دارفور، وقبل ان تتفاقم وخلال تلك الفترة، كتب الكثير من المفكرين والباحثين والكتاب السودانيين عما يدور فى السودان عموما ودارفور على وجه الخصوص، كانت كتاباتهم ومقابلاتهم وندواتهم ماهي الا إستكشاف وتحذير لتجنب تبعيات مايحدث من فتنة قبلية وتحولها الى مواجهات عنصرية تكون لها ذيول وتبعيات على المدى البعيد، فهدفت كتاباتهم الى ايجاد الضغط الشعبى المحلى والاقليمى لعلاجها، بعضهم قد ذهب اكثر مما تداولتها ادبيات المعارضة المسلحة في دارفور، وجلها لمعرفة جذور المشكلة حتي توجد لها الحل الدائم، وهذا ان دل إنما تدل علي القيمة الحقيقية للمثقف الأمين تجاه قضايا امته، والتى إفتقدتها السودان خلال الاونة الأخيرة. بعض من مازالوا يواصلون الكتابة فى الداخل والبعض الآخر فى الخارج، وفيما يلي بعض من اقوال هؤلاء:

 

* الدكتور محمد سليمان محمد دارفور (تحقيق وأستهلال صلاح آل بندر): في كتابه السودان حروب الموارد والهوية، الفصل السابع حول دارفور: الواحة في مواجهة الصحراء (مع مساهمة الاستاذ احمد عثمان عمر)،

رغم رؤية الكاتبان بأن الصراعات السابقة في دارفور كانت تدور حول الموارد، لكنهما لخصا المرحلة الثانية من الحرب الاهلية (87/1993) فى الآتي: "تصاعدت الحرب الثانية من الحرب الاهلية فاتخذت شكل استقطابى عرقي عبر عن نفسه في قيام تحالف عريض يضم القبائل ذات الاصول العربية؛ وقد اصبح الصراع هذه المرة أكثر ضراوة ووحشية ودمارا من المرحلة السابقة. ونتيجة لذلك لم يعد المقاتلون في الميدان والقيادات الامنية والسياسية والمراقبون المستقلون يرون بجلاء الاسباب الجذرية للنزاع" [5].

 

* دكتور الباقر العفيف مختار الخبير بالمعهد الأميركي للسلام والناشط والكاتب في موضوعات عديدة خاصة بحقوق الإنسان وموضوع أزمة الهوية في شمال السودان. انه أكثر الناس شجاعة في تناوله للأوضاع فى السودان عامة وخاصة بدارفور. ذكر في مؤتمر الافارقة والمهاجرين الافارقة الذي عقد في مدينة ساكرمنتو بولاية كليفورنيا (2007)، ان:

"السبب الرئيسي للقتال في دارفور هو مشكلة هوية. وان مفاوضات ابوجا اهملت هذه المشكلة.  وان السلام الدائم لن يتحقق بدون حلها.  وان السبب الحقيقي للحرب هناك ليس سياسيا، او اقتصاديا، او تنمويا.  انه سبب نفسي" [26].

وانتقد المعارضة في دارفور لأنها ركزت على ان السبب الرئيسي للمشكلة هو "التهميش".  وقال: "ليست هذه هي الحقيقة.  الحقيقة هي ان التهميش ليس صدفة، لأن السبب الرئيسي هو نظرة تعالي من جانب الوسط، " وقال ان اساس المشكلة هو ان "الشماليين" يرون انفسهم "عربا، اي عرق نبيل"، بينما يرون غيرهم "سودا" و "زرقا" [26].

وعن الجنجويد" قال د. عفيفي:

" ان هناك ما هو اهم من اسم "الجنجويد"، وهو "الفكر الجنجويدي" الذي وصفه بأنه عنصري جدا" [26].

وحول الاهتمام الأميركي بدارفور ذكر في قناة الجزيرة:

"انه بدأ كإهتمام شعبي محرك بواسطة الإعلام، بطبيعة الحال لما كشفت أجهزة الإعلام الغربية أساساً المدى الفظيع للانتهاكات التي تمت بحق القرى وجابتها الأقمار الصناعية والكل شافوها، النزوح الكبير والجرائم اللي ارتكبت يعني كانت فظيعة حركت الضمير الإنساني في كل مكان والضمير الآن تحرك في الغرب وعبر عنه في شكل اهتمام كبير بواسطة الجماهير.. الشعب عامة ومنظماته، منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني كله قام وضغط على الحكومات.. كان هي حكومات ديمقراطية، عندها حساسية شعبية، لابد أن تتجاوب لكي ما تبقى في السلطة لأن الجماهير هي صاحبة السلطة في الغرب" [27].

وحول الدور العربى في دارفور واصل الدكتور:

 "أفتكر أنه العرب.. المؤسسة العربية في شكل الدول العربية والمنظمات هي حقيقة هي متواطئة مع الحكومة على طول المدى، الدكتور عبد الله على إبراهيم (مشارك في الحلقة) بيعرف وكتب بنفسه عن أنه الدول العربية أنفقت بسخاء كبير جدا على منظمات الدعوة الإسلامية والمنظمات اللي قايمة بدور أساسي لتنشر الثقافة العربية الإسلامية في أفريقيا بدء من جنوب السودان، الآن في دارفور ما موجود مؤسسات، ما في منظمات للإغاثة في دارفور عربية أو إسلامية، بل في الحقيقة وما في اهتمام بأن تكون هناك، في اهتمام بأنه المنظمات العاملة في دارفور هي منظمات غربية مسيحية ولذلك بنجي نجد أنه عندما زار الوفد بتاع هيئة علماء المسلمين الخرطوم ومشي دارفور واحدة من الوصايا أنه أن يقوى الدين.. دين دارفور كأنهم هم متهمين بأن أهل دارفور دينهم رقيق شوية وأنه ممكن أن يكونوا عرضة للتنصير وكان في اهتمام بحمايتهم عن التنصير.. مش بحماية حياتهم وإنقاذهم، لذلك أنا بأشوف أنه في انصراف كبير جدا، حقيقة في إنفاق كبير على المسائل الثقافية والدور السوداني اللي كتب عنه الدكتور (الدكتور عبد الله على إبراهيم) بأنه يلعب دور الوكيل عن العالم العربي الإسلامي لينشر الثقافة وينشر اللغة العربية ويعرب لكن ما فيش اهتمام تنموي وما فيش اهتمام بالإنسان نفسه" [27].

وأردف:

"نعم، فيه غياب طبعاً العربي بشكل واضح جداً، هو عدم اهتمام وجهل حقيقة، هو فيه جهل عربي بالسودان كله باعتباره ما بيشكل شيء يعني هام بالنسبة للعالم العربي وبدارفور بشكل أكبر، يعني وهو الجهل بدارفور يشمل الشماليين في السودان.. في شمال السودان.. السودانيين أقصد في شمال السودان، لذلك بعدين في اهتمام واضح جداً أو في ميل من جانب الدول العربية ومؤسسات عربية لأنها تقبل يعني مصدر معلومات ستكون الحكومة السودانية يعني المجرم نفسه، فلذلك شيء طبيعي أنه لما تأتي المنظمات دي بتأخذ.. بتشتري ال (Version) أو النسخة الحكومية من الأحداث، نحن شوفنا أن اتحاد المحامين العرب لما مشى السودان، اتحاد الأطباء العرب لما مشى السودان، شوفنا موقف العلماء المسلمين لما الشيخ القرضاوي ومحمد سعيد العوا زاروا السودان.. كلهم رددوا وعادوا.. يرددوا النسخة الحكومية من الأحداث." [27].

 

* دكتور سليمان بلدو مدير برنامج أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية ، والناشط في مجال حقوق الإنسان في السودان منذ ثمانينات القرن الماضي. ذكر في ذات البرنامج (من واشنطن لقناة الجزيرة لحافظ المرازي)، عن الكيفية التي تطورت بها قضية دارفور دوليا، وقال:

"أود أن أشرح أيضا أن ارادة الضغط الشعبي متنوعة تماما أيضا، هناك حركة طلابية واسعة تقف مع ضحايا الحرب في دارفور، مهاجرين سودانيين من إقليم دارفور مقيمين في الولايات المتحدة ومدنها المختلفة نشطاء في هذا التحالف، هناك مجموعات إسلامية كما ذكرت، في تقديري إن الحركة الشعبية القائمة الآن ليست ورائها بشكل شامل وكامل كما تقترح هذه نظرية.. نظرية المؤامرة اللوبي الصهيوني وفقط ولكن هناك عوامل أخرى تفسرها، يفسرها الإعلام الحديث وسرعته، تفسرها سرعة التكنولوجيا في نقل صور الأحداث من مختلف أنحاء العالم بشكل آني وفوري، تفسرها أيضا أنه أحداث دارفور حدثت بعد الإبادة الجماعية في رواندا وبعد الإبادة الجماعية في البوسنة وفشل العالم في التدخل في الوقت الملائم لوقف هذه المسألة" [27].

وعن دور الهوية في الحرب، قال:

"أيضا مع الأخ عفيفي أتفق فيما يختص بمسألة الهوية، يعني ما يحدث في السودان في تصنيف الأطراف المتصارعة بأنها عربية ضد مجموعات من أصول أفريقية في واقع الأمر هو تصنيف أو هوية ثقافية أخذت طابع سياسي وبالنسبة لحكومة الخرطوم عندما انفجر الصراع في دارفور وقام تمرد مسلح في هذا الإقليم كان تمرد سياسي الغرض منه الاعتراض على تهميش الإقليم كإقليم وتبنته مجموعات تشعر أنها مهمشة حتى في داخل هذا التهميش، مجموعات من أصل أفريقي في معظمها، رد الحكومة كان تجييش مسألة الهوية، تجنيد ميليشيات من قبائل من أصل عربي في أغلبها.. ميليشيات التي انضمت لرد الفعل الحكومي على هذا التمرد في عام 2003 وعام 2004 ومن هنا أتى تصنيف الصراع بأنه عرب ضد أفارقة، شكل رد الفعل الحكومي كان عقاب جماعي ليس ضد المتمردين الذين رفعوا السلاح في وجه الحكومة وإنما ضد كل المجموعة التي ينتمون إليها، القبائل الكبيرة ولهذا تم حرق مئات القرى ولهذا نجد أن هناك مليونين من مواطني دارفور الآن في معسكرات النازحين بالإقليم، من أين أتوا؟ أتوا من قرى آمنة ومواطنين عاديين هوجموا ليس لسبب غير انتمائهم إلى هذه الهوية التي تسمى بالأفريقية، فبالتالي إذا كان هناك جهة تلام على إعطاء هذا الصراع طابع.. محور عربية ضد أفريقية هي بالمقام الأول أيضا حكومة الخرطوم لأنها سعت إلى عسكرة هذه الهوية في رد فعلها على التمرد بدارفور" [27].

وعن دور الإعلام العربى ذكر:

"أنا لا أعتقد إنه الإعلام العربي كان متخلف عن تغطية هذه الأحداث، أول شبكة تلفزيونية تحاول تغطية أحداث دارفور كانت الجزيرة وقام مندوبها والمصورين بتصور فيلم الحريق وهو نقل مباشر لأحداث دارفور أثناء هجمات الميليشيات الحكومية على الغورا، ماذا حدث من جانب حكومة السودان؟ أغلق مكتب الجزيرة، أرسل مندوب الجزيرة في السودان إلى المعتقل لفترة عدة أشهر وقدم للمحاكمة، حاولت شركة أو الشبكة العربية أن تنقل ما يدور في دارفور في برنامج أيضا مباشر توثيقي جهاد على الجياد، ماذا حدث؟ ضغوط مباشر من الحكومة السودانية على شبكة العربية أدت إلى فشل الشبكة في بث هذا البرنامج، العالم العربي لا يعرف ما يدور في دارفور وإذا عرف إذا كان هناك حرية للإعلام في الأخبار الآتية من السودان لكانت هناك نفس مستوى الرفض والاشمئزاز لما تقوم به حكومة السودان ضد مواطنيها المسلمين في إقليم دارفور.." [27].

 

* السيد الصادق الصديق المهدى، امام طائفة الانصار ورئيس حزب الامة، ذكر فى مقابلة فى قناة الجزيرة (26/5/2007)، بانه: "مادام العدالة الوطنية قد تخلفت، فلا بد من العدالة الدولية".

 

فشل مؤتمرات السلام الداخلية

رغم إنعقاد مؤتمرات عديدة للصلح بين القبائل الافريقية والعربية، لكنها لم توقف حدوث المعارك القبلية، لأن المؤتمرين عندما ينفضوا يعودوا مرة اخرى لمؤتمر جديد [2]، فقط في الفترة بين 90/1997، تم عقد 12 مؤتمرا للصلح [5]  فيما يلي اساء بعض هذه المؤتمرات [2]:

1-     مؤتمر الصلح القبلى بين الفور وبعض القبائل العربية (الفاشر 15 ابريل – 8يوليو 1989).

2-     مؤتمر الصلح بين الزغاوة والقبائل العربية (كتم 1994).

3-     مؤتمر الصلح والتعيش السلمى بين الرزيقات والزغاوة (الضعين 1997).

4-      مؤتمر الصلح بين قبيلة المساليت والقبائل العربية (الجنينة  18-25 نوفمبر 1996).

5-      مؤتمر الامن الشامل والتعايش السلمى لولايات دارفور (نيالا 22-27 ديسمبر 1997).

6-      مؤتمر الصلح القبلى والتعايش السلمى بين قبيلة المساليت وبعض القبائل العربية (الجنينة 26 مايو – 5 يونيو 1999).

لكن عندما تبين أن مشكلة دارفور ستخرح عن السيطرة، عقدت الحكومة إجتماعات اخرى، وفى الفترة مابين مايو 2001 إلى دشسمبر 2002 عقدت خمسة مؤتمرات بين الفاشر وجبل مرة شاركت فيها الحكومة وممثلى مختلف القبائل.

كانت ألأهداف ألأساسية لهذه المؤتمرات هى تحجيم هذه المشكلة وعزلها من ان ترتبط بدعوات واجندة الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان، وكما شاهدنا فى مؤتمر نرتتى السالفة الذكر فى أغسطس 2002، فهى تهدف إلى إجبار زعماء القبائل والمشاركين وشعب دارفو للقبول بالوضع المفروض عليهم.

 

لنأخذ مثال لهذه المؤتمرات، كمؤتمر آلية حفظ ألامن وبسط هيبة الدولة، الملتقى التشاورى للقيادات بالفاشر (آلية حفظ ألأمن وبسط هيبة الدولة) 24 -25  فبراير 2003، حضر المؤتمر أكثر من خمسمائة شخص، متضمنا وفد اتحادى وولاة ولايات دارفور ، ووالي ولاية نهر النيل والهيئة الشعبية لتنمية دارفور والقيادات الدستورية والسياسية والأمنية والتنفيذية والشعبية والأهلية بولايات دارفور حيث كانت موجهات المناقشة للجنة الثانوية قد وضعت بالصيغة ألتالية:

 

المعلومات التى قدمت بواسطة الآلية فى جلسة الإفتتاح، وعلى ضوء تقاريرها أشارت إلى إتهامات من قبل مجموعة من قبيلة الفور والزغاوة، عن ألأحداث فى وحوالى جبل مرة وكرنوى... فى تقديرك:

أ‌-       هل هذا العمل، عمل جماعى مسنود من قبل هذه القبائل؟

ب‌-   هل هذا عمل فردى، وماهى نسبة المشاركة القبلية فى ذلك؟

ت‌-   ماهو موقف هذه القبائل من هؤلاء الخارجون عن القانون؟

لماذا تطورت القضية بهجمات؟ وهل ردود افعال القبائل العربية ألثأرية القاسية ضد هجمات الفور لها تأثير فى ذلك؟ وهل الوحشية التى سببها الجنجويد (حرق وقتل ونهب) طور وحول ودفع (الفور والزغاوة) لتغيير أهدافهم؟

- لماذا يحاول قادة الفور وهؤلاء الرجال المسلحين لتدويل مشكلة جبل مرة؟ هل هنالك أسباب ومبررات لذلك؟

- لماذا سكتت بقية قبائل دارفور عما يدور فى جبل مرة وحوالى كورنوى والمناطق ألاخرى؟

- هل بإستطاعة الزعامات ورجال الادارة الاهلية والشخصيات البارزة بين الزغاوة والفور والعرب القيام بمبادرة إيجابية لوقف هذه الاعمال الجارية؟

- أليست من مسئولية هذا الجمع إدانة مايحدث فى الجبل وحوالى كرنوى وفى المناطق الاخرى؟

- كيف يمكننا تحقيق أحلام شعبنا، لمشاريع تنمية طموحة بدارفور عموما وخصوصا فى جبل مرة وكرنوى؟ هل يمكن فعل ذلك بواسطة؟

1-     اعمال سياسية شعبية؟

2-     أعمال عسكرية شعبية من قبل الزغاوة والفور تجاه أهلهم؟

3-     أعمال عسكرية محدودة، مع دعم سياسى؟

4-     عمل عسكرى واضح وصريح؟

 

 

من هذه النقاط يمكن إستخلاص الكثير عن مفاهيم النظام تجاه القبيلتين، لقد تم تصريف إهتمام المؤتمرين من مواضيع الاساسي والخاص بوقف الإقتتال وإيجاد مصالحة بين هذه القبائل، إلى كيفية مواجهة رد فعل الفور والزغاوة ضد الانتهاكات الصريحة والعنيفة من مجازر والإهانات الهادفة لطردهم من أرضهم، حتى ولو كان ذلك من خلال إستخدام القبيلتين لمحاربة أبناءها! وهكذا فإن هذه المؤتمرات ماهى إلا وسائل لإجبار المؤتمرين لإعطاء الحكومة الشرعية لإستخدام الوسائل العسكرية لضرب الابرياء، والذين يدافعون عن انفسهم وذويهم، وفوق كل ذلك، إنها تعطى ألإنطباع ان هدف المؤتمر هو التجسس على هذا العدد الغفير أكثر من أى شيئ آخر.

 

خطوات سلام الإتحاد ألإفريقى

بدأت هذه المحاولات فى مدينة أبيشئ فى 4 سبتمبر 2003، ومن ثم دخلت الإتحاد ألإفريقى كوسيط فى 8 أبريل 2004، فى مدينة إنجمينا بتشاد، حيث تم التوقيع على إتفاقية لوقف إطلاق النار. وتم التوقيع على إتفاقية لنموذج تأسيس مفوضية نشر مراقبين لوقف إطلاق النار فى دارفور بأديس أبابا بأثيوبيا فى 28 مايو 2004.

تم عقد ستة جولات تفاوضية بنيجيريا، وتم التوقيع على بروتوكولين، هما 1- تطبيق الاوضاع الانسانية فى دارفور. 2- تعجيل الاوضاع الامنية بدارفور. فى تاريخ 9 نوفمبر 2004، وفى العام التالى تم التوقيع على إعلان المبادئ لحل المشكلة السودانية بدارفور بتاريخ 5 يوليو 2005.

خلال تلك المفاوضات، قامت الجماهيرية العربية الليبية بعدة محاولات لعقد مؤتمرات شعبية لجمع الدارفوريين بليبيا من اجل إيجاد حل لهذه الأزمة المستعصية، لكنها لم تصل لأية نتيجة إيجابية.

 

فشل محادثان ألإتحاد ألأفريقى بأبوجا

كانت الآمال كلها متتجهة إلي ابوجا علي امل ان تتوفق محادثات الاتحاد الافريقي والتي حددت لها  الخامس من مايو 2006 كحد أقص، للتوقيع علي الإتفاق النهائي. كانت هذه في الاساس مبداء خطاء ومنها يتضح وجود قوي لها مصلحة بإيجاد أي حل سريع للمشكلة حتي لا تتضح الكثير من الخبايا والتي اريد لها الإخفاء.

إنتهت المحادثات بتوقيع مني أركو مناي علي الإتفاقية، بينما رفض كل من الأستاذ عبدالواحد محمد نور ودكتور خليل إبراهيم التوقيع رغما عن الضغوط الشديدة التي مورست عليهما من الرئيس النيجيري والمبعوث الامريكى للمحادثات.

وهنا يكمن السؤال، لماذا رفضا التوقيع؟ لكشف ذلك سنأخذ كمثال موقف حركة / جيش تحرير السودان بقيادة الأستاذ عبدالواحد محمد نور من خلال الورق التي اعدها السيد ابكر محمد ابوبشر (سودانى)، رئيس لجنة تقسيم الثروة بالحركة، وتتلخص هذ الرفض في الآتي:

 

قام وسيط الإتحاد الأفريقى بإعادة صياغة وثيقة إعلان المبادئ لمناقشتها فى ثلاثة لجان (مشاركة السلطة وتقسيم الثروة وألإجراءات ألأمنية). منذ نوفمبر 2005، إستمرت الجولة السابعة لمحادثات السلام لمدة سبعة اشهر ونصف وإنتهت بتوقيع الطرفين وإعتراض طرفين آخرين (الحركات). كان سبب الرفض من قبل الاطراف الرئيسية الرافضة لتوقيع إتفاقية دارفور للسلام هى: كان تركز الوسطاء على مشكلة دارفور فقط دون أية إعتبار لتصور اهل دارفور تجاه المركز، بينما لا يريد المجتمع الدولى أية عراقيل لإتفاقية السلام الشاملة بتاريخ 9 يناير 2005 (إتفاقية نيفاشا)، رغم إن ذلك لها صلة بجذور الصراع، ولكن تم رفضها، أما البعض الآخر، فيمكن توجيزها فى ألآتى [28]:

 

أ- إجراءاتى: من بينها: عدم ألإنصاف فى مناقشة المواضيع، مثلا ألأرض ووحدة دارفور، ألوثيقة التى جمعتها وأصدرتها الاتحاد ألإفريقى لم يتم مناقشتها، لقد تم فرضها على الحركات للتوقيع، لقد عرضت الوثيقة يوم 25 أبريل 2006، وتم إعطاء إنذار لمدة خمسة أيام للإستجابة والتوقيع، عرض الإتحاد ألإفريقى تكوين مجموعة مصغرة لحل مواضيع الخلافات، لكن لم يتم تطبيقها، طلبت الحركات من ألإتحاد ألأفريقى مدها بعض الوقت لدراسة الوثيقة ولكن رفض ذلك.

 

ب- قانونى: إنعدمت من الوثيقة النماذج التطبيقية لكل المفوضيات، وآلية التنفيذ والشروط العامة والضمانات. لم يتم تعريف الكلمات الرئيسية مثلا : ألجنجويد ألحواكير وألمسارات. أعطت ألإتفاقية حكومة السودان (ألمؤتمر الوطنى) السلطة المطلقة لحكم دارفور، فلقد تحصلت على 81% من المناصب الدستورية والتنفيذية (ولاة الاقاليم والوزراء والمحافظين ..ألخ)، و71% من المقاعد التشريعية فى دارفور، جاعلا المؤتمر الوطنى الحاكم الحقيقى. حذف الكثير من الفقرات والتى تم إتفاق الاطراف عليها سلفا. ظهور ألكثير من الاخطاء فى النسخة العربية المترجمة.

ج- ألفنية: لم تناقش ثلاثة من تسعة مواد فى مفوضية تقسيم السلطة إطلاقا. لم توضع حلول لجذور المشاكل مثل: وحدة إقليم دارفور بحدود 1/1/1956، التمثيل المنصف فى كلا من المجلس التشريعى والهيئة التنفيذية على المستوى القومى، قد تم رفضها، وكذلك مشاركة الحركات فى سحب ألأسلحة من الجنجويد.

د- بعض الحقوق ألأساسية مثل تعويض الافراد وأمد الفترة ألإنتقالية والسيطرة على قوات الحركات خلال الفترة الإنتقالية قبل نزع الامم المتحدة للأسلحة وبدء برامج التسريح والدمج. المشاركة فى التنفيذ، تم تمثيل الحركات بنسبة 19% فقط فى الجهاز التنفيذى بدارفور و29% فى جهازها التشريعى.

ر- إن تطبيق مثل هذا النوع من ألإتفاقيات هى مسئوليات ألأطراف التى قامت بتوقيعها، لهذا فيجب ان يكون تمثيل ألأطراف منصفا وعادلا. فى إتفاقية دارفور للسلام فإن الحركات ممثلة بنسبة 19% فى ألأجهزة التنفيذية بدارفور، وبنسبة 29% فى الاجهزة التشريعية. واضحا من كل ذلك بان الذين حملوا السلاح ضد المجموعة الاسلامية المتعصبة الحاكمة فى الخرطوم ليس لهم فرص فى عملية حكم إقليمهم لأجل تصحيح الممارسات الظالمة التى تمت ورفع المعانة عن ذويهم.

و- ليس هنالك شرط فى إتفاقية دارفور للسلام تسمح بتواجد قوات الامم المتحدة للسلام فى دارفور بعد التوقيع على الإتفاقية.

 

ألخلاصة

إن سلطنة الفور فى دارفور موغلة فى القدم، لقد حكمت منذ عام 1415 إلى عام 1917، فى خلال تلك الفترة حكمت السلطنة 36 سلطان، خلالها كان الإسلام هو الدين الوحيد السائد، ومنذ عام 1564 درج سلاطين الفور على تسيير قافلة الحج وكان يتضمن الهدايا والطعام وكسوة الحج للكعبة الشريفة بمكة. لقد إشتهر الفور بدراسة وحفظ القرآن منذ طفولتهم، فلقد إكتشف بان هنالك قرية فى جبل مرة بدارفور تحتوى على ألفين (2,000) من حفظة القرآن الكريم، حينها كان بكل جمهورية إيران ألإسلامية مايقارب الخمسة آلاف (5,000) شخص فقط. وكان لسلطنة الفور رواق مدفوع فى ألأزهر الشريف بالقاهرة واخر بمكة والقدس.

لقد وضح الرسول (صلعم) للمسلمين فى مناسبتين ماذا يعنى الإسلام: "فى إحد المرات وجد كلب عطشانا، فأخذ خفه وتدلى للبئر وأخذ منها ماء وسقى بها الكلب"، وفى الثانية "قال، إن إذالة الأذى عن الطريق صدقة"، ويفهم من ذلك أنها صدقة بغض النظر عن من سيسلك هذا الطريق ويتضرر من تلك الأذى سواء أكان مسلماً او مسيحيا أو يهودى، عربي او افريقي!

ذلك هو ألإسلام الذى كان معروفا فى دارفور، لذلك فمن المدهش والغريب أن علماء العرب ومفكريهم وعلماءهم إما ساكتون عما يحدث فى دارفور أو مؤيدين لها! خذ مثلا ألإسلامى المعروف دكتور يوسف القرضاوى، فقد صرح فى 3/9/2004 اثناء زيارة للسودان  لحضور المؤتمر العربي والاسلامى الجديد والذى عقد بإستضافة مركز الدراسات الاسترتيجية بالتعاون مع وزارة الاوقاف "على ضرورة توعية سكان دارفور باصول دينهم وتوفير احتياجاتهم".

وفي خطبته له بمسجد الشهداء فى الخرطوم، "اتهم القرضاوي المنظمات الانسانية الدولية العاملة في دارفور بالعمل على تنصير سكان المنطقة مستفيدة من المساعدات المقدمة الى المنكوبين، واتهم الدول الغربية بالتآمر على المسلمين في العالم".

لقد ذكر لى أحد من قادة الحركة ألإسلامية فى السودان أنه فى إجتماع عام بدارفور، قامت إمرأة وسألت "إذا كان كفار الغرب هم الذين يقدمون لنا الطعام، وينقذوننا من القتل والإغتصابات التى يرتكبها اخواننا المسلمين العرب، أليس الرجل ألأبيض أحسن من هؤلاء ألإخوة؟"، يمكن لأى فرد أن يتخيل إحباط هذا القائد ألإسلامى لقد فشل فى الرد علي هذه المرأة، فماذ يقول لها، والاحداث متجسدة امامهما معاً في دارفور، وقد تكون ماساتها اشد ايلاماً! وهى حالة محبطة لكل مسلم له ذرة من الإيمان، وعلى ما اوصلتنا اليها الإسلام السياسي من حال.

 

إن المستوى ألإنسانى الحالى المنعكس فى المجتمعات الغربية الحديثة، قد تم تحقيقها بعد مراحل طويلة من الوعى وبضغوط متواصلة من المجتمعات المدنية ومنظمات حقوق الإنسان والأفراد؛ هذا المستوى ألإنسانى قد نما عبر الأجيال ، وهى إنعكاس لتطور مجتمعات ألإنسان والإنسانية؛ إنها تطور للقيم ألإنسانية.

كان أول آية انزلت للبشرية في ألقرآن الكريم هى "اقرأء باسم ربك الذى خلق ﴿1﴾ خلق الأنسان من علق﴿2﴾ اقراء وربك الأكرم﴿3﴾ الذى علم بالقلم ﴿4﴾ علم الإنسان مالم يعلم ﴿5﴾ كلا إن الإنسان ليطغى﴿6﴾" (96:1-5)، كانت هذه هى التعاليم الأساسية فى ألإسلام، كل العلوم، ليس الدين فقط، لأنها ترفع الإنسان والإنسانية، فقط الا يطغى، اليس مايحدث في دارفور هو الجهل والطغيان؟ وعلي من؟

خلال القحط الأفريقى وماصاحبه من مجاعة عام 84/1985، أتى إلى أفريقيا مجموعتين من الفنانين، البريطانية "باند أيد" برئاسة بول يونج، وألأمريكية وترأسها ألسفير المعنوى لليونسيف حاليا هارى بلفونتن، لقد احضروا مساعدات معنويا كبيرة للسودان واثيوبيا، كان ذلك خلال فترة حكم ألرئيس الأمريكى رونالد ريجان، والذى أرسل آلاف من أطنان ألذرة للسودان، ولفد عرف حينها ب "عيش ريجان"، مما جعل أهل كردفان ودارفور يطرون ريجان، ويرفعون أياديهم بالدعاء فى صلواتهم سائلين المولى عز وجل بإدخاله ألجنة؛ تلك هى ألإنسانية.

ألمؤسف فيما يحدث فى دارفور، أن المجازر متواصلة بمراحل بطيئة، بينما العالم يشاهد وكأنما قد فقدوا الإحساس بالمسئولية الإنسانية والوعى تجاه أهل دارفور، وحقهم بحياة حرة وعادلة وبكرامة.

يحدث هذا فى دارفور وللاسف للمواقف السلبية للقادة الافارقة، والذين من خلال ممثليهم فى المؤسسات المختلفة، يتساومون ويسمحوا بمواصلة هذه المجزرة بدون ادنى احساس إنسانى تجاه أهل دارفور.

أما السياسات التى إتبعها وزير خارجية السودان فى حكومة الوحدة الوطنية دكتور لام أكول تجاه دارفور، فهى تعبير لما أرادها ألمؤتمر الوطنى بالتوقيع على إلإتفاقية ألشاملة للسلام، إنه لا يستطيع الإدعاء بعدم وجود سياسة للحركة تجاه دارفور، كقائد  فمسئوليته هى صياغة تلك السياسة. لأن شهداء الحركة فى دارفور بدءأ من ألشهيد ألمهندس بولاد إلى شهداء آخرين مثل النقيب سيرينو أوليها أفرو من شرق ألإستوائية وألمئات ألآخرين، قد ضحوا بحياتهم من لتحقيق تلك السياسة التى إدعي ان لا وجود لها، هذه السياسة تتلخص في مضامين شعارات الثورة الفرنسية، وكل ما تصبو إليها الإنسانية، وهي الحرية والعدالة والمساواة، من أجل بناء مجتمع السودان الجديد والأكثر إنسانية، إنها حقا لمؤسف أن تدمر فى شهور ماصمد دكتور جون قرنق ورفاقه والحركة والجيش الشعبي حيالها 21 سنة من النضال.

ونقيض لذلك، فلقد برر ألسيد دينق ألور وزير شئون مجلس الوزراء فى حكومة الوحدة الوطنية تأييد الحركة الشعبية والجيش ألشعبى لتحرير ألسودان للقرار1706، بأن " للحركة الشعبية لتحرير ألسودان إلتزام أدبى تجاه شعب دارفور".

إن ألإلتزام ألأدبى والتاريخى للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان تجاه دارفور من المفترض ان تكون قوية كما شاهدنا في جزء من هذه الخلفية ، ويمكن تلمس ذلك من خلال مواقف قادتها، ويشهد على ذلك التحرك المتواصل لسيادة الفريق ألمشير سلفاكيير مايارديت النائب ألأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة جنوب ألسودان، والذى ايد دخول قوات الأمم المتحدة إلى دارفور. هذا هو ألموقف فى كل من جنوب السودان وجنوب كردفان وجنوب النيل ألأزرق.

 

لقد أدى القتل الإعتباطى والإغتصابات بالجملة وتدمير المنازل والممتلكات، إلى خلق حاجة ملحة إلى تدخل القوات ألدولية، وذلك لإنقاذ الحالة الميؤوسة منها فى دارفور، والحاجة لهذه القوات من أجل القيام بالآتى:

1-     لوقف القتل.

2-     لضمان الحياة للأبرياء.

3-     لإيقاف الإغتصابات الجماعية التى تقوم بها الجنجويد.

4-     لخلق الإحساس بالسلام.

5-     لنزع السلاح من الجنجويد.

6-     لتأمين عودة النازحين واللاجئين.

7-     للتحقيق من الحقيقة المطلقة عن مادار فى دارفور.

8-     لخلق الحوار مابين مختلف القبائل.

9-     لخلق مصالحة حقيقية بين قبائل دارفور الأفاريقية والعربية.

10-    لخلق الجو المساعد لوضع المشاريع التنموية لشعب دارفور.

 

هذه النقاط ليست مناقضة للإسلام، كان من المفترض أن نقوم بتحقيقها نحن المسلمين. وكمسلمين إذا فشلنا فى تحقيق ذلك، اصبح ذلك من واجبات المجتمع الدولى للمساعدة فى تأسيس مستقبل أفضل لكل من عرب وافارقة دارفور. إن المقترح الموجز اعلاه، ليس الحل النهائى لمأساة دارفور، إن الهدف منه هو خلق التوازن والسلام المطلوب فى الإقليم، ومن ثم يتم البدء فى المراحل اخرى، وهى إيجاد السلام العادل النهائى في الأقليم. والهدف النهائى هو أن يعم السلام فى دارفور، من خلال عرض الحقائق وبشجاعة عما حدث، دون تحيز ومن خلال منظور إنسانى تجاه كل أهل دارفور، العرب وألأفارقة.

 

فى ألختام فإن احداث دارفور قد خلقت ظروف غير إنسانية، وان شعب دارفور والسودان عامة يستحقون مستقبل ذاهر وإنسانى لهم وللأجيل القادمة، وهنا يمكننا التساؤل مثل ما تسائل الآخرون من قبل، كيف إنحدرنا إلي هذا الدرك؟ تحتاج الإجابة لذلك إلي كثير من الشجاعة التي نحن في امس الحاجة اليها اليوم في السودان حتي نتمكن من العبور فوق الكثير من الحواجز التي اصطنعتها الموروثات الثقافة والاجتماعية ذات البعد الأحادي والتي تخللت مجتمعات الشمال، وخرجت للسطح مع خروج الإنجليز، وهدفت حينها الي صياغة الدولة السودانية بالمسخ التي اكتمل نسجها في ظل النظام الحالي. فهل نملك الشجاعة للعبور نحو دولة الانسانية الرحبة.

 

 

المراجع

1-    دارفور ويكيبيديا. (انقر هنا) 

2-    الصراع القبلى فى دارفور، أسبابه وتداعياته وعلاجه، د. التجانى مصطفى محمد صالح، شركة مطابع السودان للعملة المحدودة،1999.

3-    مذكرة رقم (1) خطاب أللجنة ألمفوضة من قبل ألتجمع ألعربى، إلى رئيس وزراء السودان، ألسيد ألصادق ألمهدى، عام 1988. (انقر هنا)

4-    مذكرة التحالف العربى السرية لأعضاءها عام 1988، لخلق إضطرابات حكومة دكتور تجانى سيسا بدارفور، عام 1988. (انقر هنا)

5-    ألدكتور محمد سليمان محمد، حروب ألموارد والهوية، تحقيق وإستهلال ألدكتور صلاح آل بندر، دار كمبردج للنشر، كمبردج، 2000، صفحة 382.

6-     تقارير سودان أبديت: شعب دارفور. (انقر هنا)

7-    جيراد برونير، مجزرة دارفور الغامضة، هاترز وشركاءه، لندن، 2005. ) www.hurstpub.co.uk( ، فى نيروبى، ببوكستوب ببرج بيحى سنتر، bookstop@wananchi.com

8-    مناقشة مع العميد قبريال ألآك، أمين الحركة ألشعبية لتحرير ألسودان لشئون ألإدارة (جوبا يناير 2007).

9-    مناقشة مع ألسيد أبكر محمد أبوبشر (سودانى). رئيس مفوضية قسمة الثروة، حركة/جيش تحرير السودان، نيروبى، أكتوبر 2006.

10-     خالد، دكتور منصور ، الوعد الحق والفجر الكاذب.

11-          محادثات مع القائد عبد العزيز آدم الحلو- ناكورو-كينيا- ديسمبر 2007.

12-          ألكتاب ألأسود، إختلال ميزان السلطة والثروة فى السودان "الجزء الاول"، 1999.

13-          مناقشات مع ألأستاذ إبراهيم يحيى عبدالرحمن، الوالى ألأسبق لولاية غرب دارفور، ورئيس المجلس التشريعى لحركة ألعدالة والمساواة, (نيروبى أغسطس 2004).

14-          قريش (2) [سرى للغاية] مذكرة سرية أصدرها التجمع العربى. (انقر هنا)

15-          توجيه إدارة العمليات الحربية بالإقليم، إدارة العمليات ألحربية. (انقر هنا)

16-          خالد عبد الله حسين محمد أحمد، دارفور ،، الحقيقة الغائبة..!!، (موقع خالد أبو أحمد)

17-          مناقشة مع الدكتور شريف حرير الامين العام التحالف الفيدرالى الديمقراطى، نيروبى، 2003.

18-          مناقشة مع ألسيد محمد بركة، عضو المجلس الوطنى السابق، مقيم ببريطانيا حاليا، كمبالا، سبتمبر (2004).

19-          تقرير اللجنة السياسية التابعة لمجلس التنسيق للتجمع العربى عن رحلة اللجنة لبعض المحليات، 15 نوفمبر 2003. (انقر هنا)

20-          بيان رقم (1) لجماهير ولاية جنوب دارفور، من أللجنة السياسية للتجمع العربى عن إنشاء حركة/جيش تحرير السودان. (انقر هنا)

21-          موقع حركة العدالة والمساواة. (انقر هنا)

22-          All Africa. Com. (Click her). (أنقر هنا)

23-          جلوبال سكيورتى (Global Security) (أنقر هنا)

24-          مذكرة أبناء دارفور، دائرة الحقوق ألإنسانية، إلى رئيس لجنة حقوق ألإنسان بالمجلس الوطنى ووزير العدل، بصورة إلى مراقب حقوق ألإنسان لهيئة ألأمم المتحدة بالسودان، 4 ديسمبر 1999. (انقر هنا)

25-          قبائل دارفور، بيان رقم (1)، حول الفتنة العنصرية، 18 ديسمبر 2003. (انقر هنا)

26-          محمد علي صالح: "الشرق الاوسط" من واشنطن، سودانيزاولاين. (انقر هنا)

27-          برنامج من واشنطون، حافظ المرازى، قناة الجزيرة. (انقر هنا).

28-          فشل محادثات السلام بأبوجا، ألسيد أبكر محمد أبوبشر (سودانى). رئيس مفوضية قسمة الثروة، حركة/جيش تحرير، 30 يونيو 2006. (انقر هنا)

 

نشرها :

http://www.darfurna.com/

 

 

ألموقع